بينما تعيش الأوساط الاجتماعية والحكومية والخدمية في سلطنة عُمان ساعات ترقب واستعداد خاصة، بانتظار وصول “إعصار شاهين” إلى السواحل والمناطق الساحلية والداخلية من البلاد، فإن الذاكرة العُمانية تستعيد قرنا كاملا كانت مختلف مناطق سلطة عُمان، السواحل الشرقية منها بالذات، عُرضة لعشرات الأعاصير، أطاحت بعضها بكل أشكال الحياة في بعض المُدن والمناطق، وأودت أخرى بمئات الضحايا.
وتسببت بعض الأعاصير في سلطنة عمان، خسائر بمليارات الدولارات، مثلما حدث خلال العام 2007 أثناء كارثة إعصار جونو الشديد، الذي قدرت الحكومة العُمانية خسائرها وقتئذ بأكثر من 4 مليارات دولار.
ويذكر المركز العالمي المُشترك لمراقبة الأعاصير “JTWC” إن السواحل العُمانية كانت تاريخيا واحدة من أكثر مناطق العالم عُرضة لمثل هذه الأعاصير، حيث تتشابه طبيعتها الجُغرافية مع السواحل الجنوبية الشرقية من الولايات المتحدة الأميركية، وذلك للطبيعة الجافة والساخنة لتلك السواحل، التي تجذب أعاصير المحيطات المقابلة، المدفوعة بالرياح الموسمية القوية. ويضيف المركز في تقاريره إن سواحل عُمان تشهد إعصارا شديدا كُل 3 سنوات بشكل وسطي، بالرغم من إن 48 بالمئة من الأعاصير تتبدد قبل وصولها إلى السواحل.
وبالرغم منه إنه ليس هناك سجلات دقيقة للأعاصير التي ضربت مُختلف مناطق عُمان، لكن الذاكرة العُمانية متخمة بالإعصار الشديد الذي ضرب العاصمة مسقط قبل أكثر من قرن، في العام 1890 تحديدا، حينما غمرت المياه كامل أحياء المدينة، وغادرها كُل من استطاع من سُكانها، ولم تعد إليها الحياة إلا بعد شهور كثيرة، حيث أودت بحياة المئات منهم، وقضت تقريبا على كُل الثروة الحيوانية والزراعية التي كانت في المدينة ومحيطها، حسبما يذكر المؤرخ الشهير ديفيد مامبري في كِتاب تأريخي عن الإعصار الذي اجتاح مناطق المحيط الهندي في ذلك العام، وأحدث تغيرات تاريخية على الكثير من البُلدان والمناطق.
وقبل العام 1970، كانت العواصف المدارية تطيح أولا بسفن الصيد الشعبية على السواحل العُمانية، لبساطة التكوين الصناعية ولخفتها، ولعدم تمكن السلطات الحكومية من الإنذار المُبكر باقتراب العاصفة.
كذلك كانت تلك العواصف تطيح بالموانئ البحرية ومنشآتها وبنيتها التحتية. تغير ذلك بعد ذلك العقد، لعملية التحديث التي طالت مختلف القطاعات الاقتصادية والحكومية ومنشآتها في البلاد.
السجلات الرسمية العُمانية تذكر أنه في العواصف المدارية تجري بشكل سنوي بين شهرين أكتوبر ومايو من كُل عام، وهي متفاوتة في الشدة، إلا أنها جميعا أحدثت ضررا بالأحوال الاقتصادية وأوقعت ضحايا.
ففي العام 1995 أدى منخفض مداري إلى هطول قرابة 300 مم من الأمطار خلال ساعات قليلة، حيث شُلت الحركة العام لأيام. والذي انتقل ليغطي كامل جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، بما فيه الربع الخالي.
بعدها أحدث إعصار مشابه فيضانات في مختلف مناطق السواحل العُمانية، بعدما شهدت أعنف هطول للأمطار منذ عقود، امتدت لتشمل كامل جنوب اليمن، وأودت بحياة المئات، حيث قدرت الحكومتان اليمنية والعُمانية الخسائر بأكثر من 1.2 مليار دولار، لكن الأكثر إثارة إن مياه الفيضانات الراكدة وقتئذ، أدت لموجة كبرى من الجراد الموسمي، الذي أطاح بملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية.
وفي العام 1998، ضرب إعصار شديد السواحل العُمانية، أودى بحياة 18 شخصا، وحطم مئات السُفن الشراعية على مختلف مناطقها الساحلية.
واستمر تلك الأعاصير المتفاوتة الحدة، إلى العام 2007، حينما حدث إعصار جونو الشهير، الذي وصلت سرعة الرياح اثناءه إلى 100 كلم في الساعة، وأنهمر 940 ملم من الأمطار خلال ساعات، فدمر أكثر من 25 ألف منزل و13 ألف سيارة وحافلة، وأودى بحياة 50 شخصا على الأقل، فيما أصيب الاقتصاد العُماني بشبه شلل.
في العام التالي، هطلت أمطار غزيرة، أدت لحدوث فيضانات في مختلف مناطق عُمان، قالت الحكومة العُمانية إن 2800 منزلا دمر بالكامل، بينما أوقفت الفيضانات سبل عيش 700 ألف مواطن عُماني.
في أواخر العام 2015 ضرب إعصار تشابالا المناطق الساحلية المُشتركة بين اليمن وعُمان، وانهمرت أمطار قُدرت بحوالي 610 ملم خلال يومين فحسب، وهو مُعدل تجاوز ما سقط من أمطار على بعض مناطق اليمن طوال عشرة سنوات سابقة.
في ربيع العام 2018، ضرب إعصار مكونو مناطق السواحل العُمانية، قادمة من جزيرة سقطرى اليمنية، مدمرا مئات البيوت، ومخلفا خسائر بـ 1.5 مليار دولار، وأنتج موجة جديدة من الجراد، الذي انتشر منها إلى أكثر من 10دول مجاورة.