يستعيد تنظيم “داعش الإرهابي نشاطه في معاقله القديمة بسوريا والعراق بهجمات دموية، مستغلا التحركات الحالية لفرع التنظيم المحلي في أفغانستان ” داعش – خراسان” الذي عاد للساحة الأفغانية مرة أخرى في ظل التوترات الأمنية والعسكرية التي تشهدها العاصمة الأفغانية كابول منذ أسابيع.
وأعلن داعش في أفغانستان عن وجوده، الشهر الماضي، بضرب مطار كابول في هجوم مزدوج أسفر عن مقتل أكثر من 170 شخصا وجرح نحو 120 آخرين ويعد هو الهجوم الأسوأ الذي تشهده أفغانستان منذ 20 عاما، وربما دفع تلك الهجوم داعش لتجميع صفوفه في صحراء العراق وسوريا في ظل تدني المستوى الأمني في البلدين.
وفي عام 2015 تشكلت “ولاية خراسان” في أفغانستان، بعد نحو عام من إعلان داعش قيام دولته المزعومة في مدينتي الموصل العراقية والرقة السورية، ليعلن وقتها مسلحون من أفغانستان وباكستان التبعية لتنظيم داعش، وتصل أعدادهم إلى 2200 مسلح بين محافظة كونار الحدودية مع باكستان وولاية ننغرهار.
ومع تصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية، تتجه آراء المراقبين إلى أن دول أفريقيا وسوريا والعراق تصبح الوجهة الحالية لهجمات داعش، بعد افتقاده القدرة على شن هجمات مباشرة على الدول الأوروبية نظرا لطبيعة التشديدات الأمنية المفروضة على حدودها، مشيرين إلى أن عودة داعش خراسان هي كلمة السر وراء تلك التحركات.
وأتفق خبيران مختصان في قضايا الإرهاب الدولي، خلال حديثهما لموقع ” سكاي نيوز عربية” على أن خطورة تهديدات التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم داعش تكمن في تغيير تكتيك تنفيذ العمليات الأخيرة للتحايل على الظروف الراهنة التي تعيشها عناصر التنظيم.
العودة مجددا
شن داعش، مساء السبت، هجوما ضد الشرطة العراقية في محافظة كركوك شمال البلاد، أسفر عن مقتل وجرح نحو 20 عنصرا من الشرطة المحلية، وحمل هذا الهجوم عدة دلالات لاستهدافه حاجز أمني قبل منتصف الليل واستخدام أسلحة مختلفة ما بين عبوات ناسفة وأسلحة متوسط وخفيفة، ما يزيد المخاوف من انتكاسة أمنية محتملة في العراق وسوريا.
ويرى جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أن ظهور داعش خراسان يقدم الدعم لكافة التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق ودول الساحل الأفريقي، معتبرا أن الأوضاع الحالية في أفغانستان تمنح أفرع تنظيمي القاعدة وداعش في سوريا والعراق وأفريقيا وهج من جديد.
ويوضح حازم سعيد، وهو باحث مختص في قضايا الإرهاب الدولي، أن هجمات كابول تنذر بمرحلة جديدة باتساع رقعة العمليات الإرهابية والعودة مجددا لداعش على الصعيد الإقليمي والدولي، حيث بدأ في تجميع صفوفه في عدد من دول أفريقيا واستثمار ما يحدث في أفغانستان بإعادة هيكلته من جديد والاستيلاء على أراضي وشن هجمات أكثر تطورا على القوات الأمنية.
تكتيك جديد
رغم خسارة التنظيم المساحة الجغرافية التي بسط سيطرته عليها في العراق وسوريا، إلا أنه دائم البحث عن ملاذات آمنة بالصحراء والحدود بين البلدين، ومنذ مطلع العام الجاري تبنى التنظيم عدة هجمات في وسط بغداد والأنبار وبعقوبة وكركوك وصلاح الدين بالعراق، وريف الرقة والبادية بسوريا، ليعلن عن بقائه وتمدده في تلك المناطق باستهداف عسكريين ومنشآت حيوية.
ويفسر جاسم محمد، تغير شكل العمليات الإرهابية التي ينفذها داعش لفقدانه القدرة على تنفيذ عمليات نوعية وافتقاره الأرض والعناصر، حيث يتحرك في خلايا صغيرة ما جعله يعتمد على سياسة ” الكر والفر” وتصعيد عملياته ضد المقرات الأمنية مثل هجوم كركوك مستغلا اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية.
ويتفق حازم سعيد مع الرأي السابق، ويقول ” يلجأ داعش في العراق إلى استراتيجية الهجمات الخاطفة ليلا باستهداف كمائن أمنية بالمتفجرات، وفي سوريا تنشط خلاياه في عدة بلدات من بينها الرقة وحماة وحلب باختطاف مدنيين وطلب الفدية لضمانة تمويل احتياجات التنظيم”.
ويشير إلى اعتماد داعش على سياسة جمع المعلومات وتطوير القدرات لنقل جميع معاركه إلى سوريا والعراق وأفغانستان، لذا بدأ في تكوين تحالفات مع تنظيمات إرهابية أخرى قريبة إيديولوجيا، والانتقال لمناطق صراعات جديدة للقتال حفاظا على ديمومة التنظيم وتوسيع نفوذه عالميا، إضافة إلى استراتيجية تجنيد الأطفال والمراهقين لتنفيذ عملياته واستخدم الطائرات المسيرة لأهداف استطلاعية.
سبل المواجهة
مع عودة تهديدات التنظيم في سوريا والعراق، تستمر العمليات العسكرية المدعومة من قوات التحالف الدولي ضد عناصره، وشنت القوات العراقية، الخميس الماضي، هجوما ضد داعش بالموصل شمال بغداد، قبل تنفيذ عملية عسكرية على الحدود العراقية – السورية لمنع تسلل المسلحين إلى الداخل.
وتستمر تأكيدات دول التحالف لمجابهة تحركات داعش خاصة في أفغانستان، وهددت أميركا داعش خراسان بضربات عسكرية في حالة الضرورة، وأعلن قائد سلاح الجو البريطاني مايك وينغستون، استعداد بلاده لشن هجمات ضد التنظيم في أفغانستان.
وعن استراتيجية محاربة داعش، يقول جاسم محمد “مواجهة داعش عسكريا في الوقت الحالي ليست كافية، فيجب تفعيل الجانب الاستخباراتي والمعلوماتي في تعقب التنظيم بجمع بيانات وإحصائيات حول عناصره ومقراته ومصادر تمويله لاسيما وأن الضربات العسكرية وحدها لا تضع نهاية لهذا التنظيم”.
ويصف حازم سعيد مواجهة داعش بـ ” الصعبة” رغم التعهدات الدولية بالقضاء عليه، نظرا لأن التنظيم يتميز بالمرونة والقدرة على التكييف مع أي متغيرات، معتبرا أن هجمات مطار كابل أثبتت تعقيد الحرب ضد داعش في أفغانستان وصعوبة مهمة حركة طالبان في تقويض وجوده.