أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور علي الحذيفي وأستهل فضيلته خطبته الأولى بالحديث عن التوسل إلى الله بصالح الأعمال فقال: لقد ناداكم الله تبارك وتعالى باسم الإيمان أعظم صفة للإنسان بأن تتوسلوا إليه لصالح الأعمال وتحفظوها من المبطلات فقال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
والوسيلة جميع الطاعات فعلاً للأوامر وتركاً للنواهي، الوسيلة تعم وسائل الطاعات كلها وتشملها جميعاً، والباب الجامع للخيرات والمنجي من العقوبات والأشمل لطرق الصالحات، والحصن من الموبقات هو ذكر الله تبارك وتعالى ، وهو يكمل الفرائض والواجبات ويجبر النقص في العبادات، ويعظم معه ثواب الحسنات وتمحى به السيئات ، وكفى لثوابه وفضله وعظيم منزلته شرفاً ونوراً وخيراً أن فرضه الله -عز وجل – في الصلاة والحج وفي كثير من الطاعات وحث عليه الشرع في جميع الأحوال .
ثم تحدث فضيلته عن ركن الدين الأول فقال: وركن الدين الأول هو ذكر الله تعالى بقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، وكل تشريع للإسلام تفسير لهذا الذكر وتفريع لهذه الشهادة فشهادة أن لا إله إلا الله توحيد للمعبود سبحانه وشهادة أن محمداً رسول الله توحيد للمتبوع صلى الله عليه وسلم قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
ولم يأمر الله تبارك وتعالى بالإكثار من طاعة من الطاعات مثل ما أمر الله به من الإكثار من الذكر قال عز وجل{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، و جاء في الإكثار من الصلاة والسلام على سيد البشر صلى الله عليه وسلم مثل قوله عليه الصلاة والسلام(أَكثِروا عليَّ منَ الصَّلاةِ يومِ الجمعةِ فإنَّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ).
ثم اختتم فضيلته خطبته الأولى عن ثواب من أكثر من الذكر فقال: هذا هو الذكر في خيراته وبركاته ومنافعه ونوره، وأما ثوابه فعليه من الثواب مالا عين رأت ولا خطر على قلب بشر فمن ثواب الذكر ماجاء عن أبي هريرة يقول ﷺ: (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب الله له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله ).
ومن ثواب الذكر أن الله تعالى ينجي صاحبه من الكربات والشدائد والمهلكات قال تعالى عن يونس عليه السلام{فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون}، ومن ثوابه أن الله يرفع ذكر صاحبه في الدارين قال تعالى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}، ومن ثوابه أنه يقوي الروح والبدن ويعين على العبادات ويحجز عن المحرمات وييسر الله به الأرزاق.
ومن ثواب الذكر براءة النفاق وهو أعظم مصيبة في الدين ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر جوامع الكلم في الدعاء والذكر كما جاء عن جويرية أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ خَرَجَ مِن عِندِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهي في مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهي جَالِسَةٌ، فَقالَ: ما زِلْتِ علَى الحَالِ الَّتي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ قالَتْ: نَعَمْ، قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لقَدْ قُلتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لو وُزِنَتْ بما قُلْتِ مُنْذُ اليَومِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ.
ثم تحدث فضيلته في خطبته الثانية عن الفرار إلى الله فقال: فرو إلى الله من الغفلة بعمل الصالحات، والبعد عن المحرمات، فروا إلى الله من الغفلة والإعراض وغرور الآمال ، فإنكم في آجال ، تقرب كل بعيد وتبلى كل جديد، وقد أمركم الله بالاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }.
عن عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله يذكر الله على كل أحيانه )، وقال زيد بن أسلم قال موسى عليه السلام (يارب قد أنعمت علي كثيراً فدلني على شكرك كثيراً قال تعالى لموسى عليه السلام أذكرني كثيراً فأن ذكرتني كثيراً فقد شكرتني واذا نسيتني فقد كفرتني) رواه البيهقي.
وكان السلف الصالح رضي الله عنهم يديمون ذكر الله تبارك وتعالى في كل أحوالهم لكمال محبتهم فكان لأبي هريرة رضي الله عنه خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به رواه أبو نعيم في الحليه ، والمسلم في هذا الزمان بأشد الحاجة إلى الذكر لما كثر من الفتن واعترى القلوب من الغفلة ولما أصيبت به البصائر من الشهوات والشبهات والأهواء ولما كثر الاعتزاز بزخرف الدنيا وزينتها ، وينبغي أن يقتني المسلم من كتب الأذكار مايبصره وينفعه ويعمل به ومن انفع كتب الأذكار تحفة الذاكرين وغيرها .