في تصريحات قد تُشكل صدمة للرأي العام للموالين للنظام الإيران، أعترف وزير الاستخبارات الإيراني السابق علي يونسي في مقابلة إعلامية بالحضور والنفوذ البالغ لشبكات الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” في مختلف أنحاء إيران.
وأوضح علي يونسي أن تلك الشبكات قد عززت من مواقعها وأدوات عملها ونشاطها في البلاد خلال السنوات العشرة الأخيرة، حتى أنها صارت متواجدة في كُل مؤسسات الدولة الإيرانية، مطالباً جميع المسؤولين الإيرانيين بأن يتوخوا الحذر، لأن هذه الشبكات الاستخباراتية تستطيع أن تستهدف أي شخص منهم.
وزير الاستخبارات الإيراني الأسبق ألقى باللوم على الأجهزة الأمنية والعسكرية الرديفة التي تم تأسيسها في البلاد خلال السنوات العشرة الأخيرة، وذلك لصالح بعض مراكز القوى والجهات النافذة في البلاد، لتكون منافساً ومراقباً لوزارة الاستخبارات المركزية نفسها.
لكن الأمر، حسب يونسي، أدى إلى ضعف شديد في قدرات الوزارة، وسمح للاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” بالتوغل في مختلف الجهات، فتلك الأجهزة النظيرة لم تعمل على مكافحة التجسس، بل كانت حريصة على محاربة بعضها البعض بغرض السيطرة.
التفصيل الأكثر دلالة هو المركز الرسمي الذي ما يزال يونسي يشغله، وهو مستشار لشؤون الأقليات للرئيس المُنتهية ولايته حسن روحاني، والمقابلة التي أجرها مؤخراً كانت مع موقع “حماران” الإعلامي، المقرب من حسن الخميني، حفيد المُرشد الإيراني الأسبق روح الله الخميني، وواحد من المناوئين للمرشد الحالي والأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية المُقربة منه، مما يعني بأن تصريحات وزير الاستخبارات الأسبق تدخل في خانة المزاحمة السياسية بين التيارين السياسيين المتنافسين داخل النظام الحاكم في البلاد.
ووجه يونسي، الذي كان وزيراً للاستخبارات خلال فترة الحُكم الثانية للرئيس “الإصلاحي” السابق محمد خاتمي (2000-2005)، انتقادات جذرية لأجهزة الاستخبارات المحلية، متهما أيها بالتطرف، ومُعتبراً بأن هذا التطرف هو نقطة ضعفها التي تسمح لأجهزة الاستخبارات العالمية باختراقها بكل سهولة.
وقال “من السهل دائماً أن تتسلل أجهزة التجسس إلى المنظمات والجماعات المتطرفة، لأن معيار الجماعات المتطرفة هو التطرف فقط، كل جهاز تجسس ومخابرات يعثر على عناصر مريضة ومتطرفة فيما بينهم أو في مكان آخر ويجعلونها تتسلل إلى هذه المنظمات، وكلما أوغلوا في التطرف ويزداد ارتكابهم للجرائم، يتم ترقيتهم”.
عمليات أمنية غريبة داخل إيران
وكانت إيران طوال السنتين الماضيتين قد شهدت سلسلة من العمليات الأمنية “الغريبة”، التي استهدفت شخصيات عاملة في مجال الصناعات النووي ومنشئات لتخصيب اليورانيوم ومراكز لإنتاج الطاقة الكهربائية ومعامل للصناعات الكيماوية.
وفي وقت لم تكن إيران تتهم أحداً بشكل رسمي ومباشر، لتجاوز الحرج أمام الرأي العام الداخلي، فأن جميع المؤشرات كانت تدل على دور لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد”، التي كانت تُعلن بشكل رسمي سعيها بكل الوسائل لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية.
وفي أبرز إشارة إلى ذلك الربط، كان رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الأسبق “يوسي كوهين” قد أعترف في حفل مغادرته لمنصبه بالأعمال التي قام بها جهازه خلال فتة ترأسه لها، مذكراً في تصريحات لصحيفة لوسائل الإعلام الإسرائيلية “لقد تمكننا من الوصول إلى قلب إيران”.
تلك التصريحات التي توافق فيها المراقبون للملف الداخلي الإيراني مع مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها تعني أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي هو المسؤول عن تصفية “أبي البرنامج النووي الإيراني” محسن فخري زادة، بالإضافة إلى أعمال التفجيرات “الغامضة” التي طالت المواقع النووي الإيرانية، والمداهمة الشهيرة التي قالت الحكومة الإسرائيلية صراحة بأنها قامت بها لـ”سرقة” الأرشيف النووي الإيراني، وأنها نجحت في ذلك، وكشفت كل الأسرار الداخلية للبرنامج النووي الإيراني.
وعزز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتانياهو، هذه التصريحات في ذلك الوقت، عندما قال “لا أريد ولا أستطيع أن أكشف كل ما فعلناه لمحاربة نظام الملالي، الذي يهدد بالقضاء علينا، معظم هذه الحيل يجب أن تبقى في الظل”.
زيادة النفوذ الاستخباراتي الإسرائيلي داخل إيران خلال السنوات الماضية، فسرها الخبير بالشؤون الداخلية الإيرانية سرمد المُحيا في حديث مع سكاي نيوز عربية بمزيج من الأحوال الداخلية الإيرانية “طبيعة النظام الحاكم في إيران تنزاح بالتدريج لأن تكون بيد نُخبة ضيقة من السلطويين، وتالياً إخراج كميات ضخمة من الفاعلين والعاملين في الحقل العام من أية شراكة في حُكم البلاد، الأمر الذي يدفع هؤلاء ليكونوا أقل ولاء وارتباطاً بالمتن الوطني والمصالح العامة لبلادهم، وأكثر طواعية لقبول العمل في الشبكات الاستخباراتية التي تستهدف المؤسسات التي يعملون فيها”.
الباحث المختص بالشؤون الإيرانية أضاف في حديثه “الظرف الاقتصادي الداخلي الضاغط هو عامل إضافي آخر. فالأغلبية المُطلقة من العاملين في القطاع العام في إيران يعيشون دون الخط الأدنى للفقر في البلاد، وتالياً تغريهم فرص الخلاص الفردي التي توفرها شبكات الاستخبارات العاملة في البلدان، وهو أمر لا يُمكن للنظام الإيراني أن تعالجه في الأفق المنظور، فهذه مسألة بنيوية في النظام السياسي/الاقتصادي الإيراني”.