خرَّجت ميليشيات الحرس الثوري الإيراني دفعة جديدة من المرتزقة التابعين له في سوريا تحت وطأة تصاعد الصراع بين واشنطن وطهران، وتبادل الهجمات العسكرية بينهما في محافظة دير الزور شرق سوريا، ذات الأهمية البالغة لإيران في ممرها الاستراتيجي “طهران- بغداد- دمشق- بيروت”.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن الدفعة الجديدة تخرجت في مدينة الميادين شرقي دير الزور، والتي تعد عاصمة الميليشيات الإيرانية في المنطقة منذ سيطرة الحرس الثوري الإيراني عليها تحت غطاء محاربة تنظيم داعش الإرهابي عام 2017.
وتضم الدفعة 85 شخصا خضعوا لدورة عسكرية لمدة شهر في منطقة المزارع بأطراف الميادين على الحدود السورية العراقية، بعد أيام من استهداف الولايات المتحدة مقرات للميليشيات شرقي سوريا.
دفعة جديدة
وتم تقسيم الدفعة الجديدة لمجموعتين، الأولى من 40 شخصا تدربوا على استخدام الرشاشات الثقيلة، والثانية ضمت 45 تدربوا على الرشاشات المتوسطة والخفيفة.
ونقل المرصد عن مصادر سورية لم يسمها، قولها إن المنتسب الجديد يحصل على راتب شهري يبلغ 40 دولارا، أي ما يعادل 120 ألف ليرة سورية، إضافة لامتيازات أخرى كمساعدات غذائية شهرية في المؤسسات التابعة للحرس الثوري في سوريا.
ويأتي هذا بعد شهر واحد من تخريج دفعة أخرى مايو الماضي، ضمت 58 شخصا بنفس الراتب والامتيازات.
وفي أبريل الماضي، فتح الحرس الثوري بابا للتطوع ضمن صفوف الميليشيات في مدينة الميادين مقابل نفس الراتب.
ووفقا لناشطين سوريين، فإن إيران ووكلاؤها يسيطرون حاليا على 7 بلدات على الأقل على الجانب الشرقي من نهر الفرات الممتد جنوب مدينة دير الزور، من الميادين إلى البوكمال، أي على الحدود بين سوريا والعراق.
وتشمل السيطرة الإيرانية على سلطة عسكرية كاملة وإدارة تنفيذية يمارسها 4500 عنصرا مسلحا، من الحرس الثوري وميليشيات تابعة له مثل “كتيبة الفاطميون” الأفغانية، و”الحشد الشعبي” و”سيد الشهداء” و”لواء الباقر”، وميليشيات “أبو الفضل العباس” العراقية، و”لواء زينبيون” الباكستانية، وغيرها.
ممر إيران الاستراتيجي
وممر إيران الاستراتيجي المفتوح الذي تسيطر طهران على هذه المدن لأجل استكماله، هو مشروع ظهر بقوة للعلن بعد اندلاع الحرب في سوريا 2011.
والممر عبارة عن طريق بري طويل، يبدأ من طهران، ويخترق الحدود مع العراق، ويسير في شمال العراق حتى يصل إلى حدوده مع سوريا، ومنها يمتد في شرق سوريا حتى يصل إلى الساحل في مدينة اللاذقية، ثم ينحرف جنوبا ليخترق الحدود السورية إلى لبنان، حيث تتمركز هناك ميليشيات حزب الله.
ولتحقيق هذا الممر وتأمينه، يلزم لإيران سيطرة كاملة على المدن الواقعة على طريقه، وهو ما يفسر سبب نشاط ميليشيات الحشد الشعبي التابعة لها في العراق للسيطرة على مدينة نينوى القريبة من الحدود مع سوريا، خاصة بلدات تل عفر والقيروان والبعاج التابعة لها، لكونها تتماس حدوديا مع مدينتي البوكمال والميادين في محافظة دير الزور في سوريا، ومساعيها للسيطرة على بقية المدن الموصلة حتى اللاذقية، وكل ذلك تحت غطاء محاربة الإرهاب.
وأهمية إنجاز هذا الممر الطويل لإيران، هو ربط إيران بالعراق وسوريا ولبنان بعمود فقري واحد تحكم طهران قبضتها عليه، لتسهيل نقل المؤن والعتاد العسكري والاقتصادي الإيراني بين البلدان الأربعة بعيدا عن مراقبة وتحكم الخصوم المنافسين لها، وإيجاد منفذ على البحر الأبيض المتوسط عبر اللاذقية، وتقوية الميليشيات التابعة لها في هذه البلاد عبر تسليمها هذه المدن، وتعزيز وجود إيران البشري والاقتصادي في هذه البلاد ما يسهل تبعيتها لها في المستقبل بتكلفة أقل من الحروب التقليدية.
هجمات متبادلة
وبدأ التصعيد والضربات المتبادلة بين القوات الأميركية والميليشيات الإيرانية في سوريا الأحد الماضي، وشنت القوات الأميركية ضربات جوية على مواقع للميليشيات عند الحدود بين سوريا والعراق، شملت 3 قواعد ومخازن أسلحة تابعة لحزب الله العراقي وميليشيا سيد الشهداء، ردا على هجمات شنتها ميليشيات إيرانية على مصالح أميركية في العراق.
وأوقعت الضربات 4 قتلى في صفوف الميليشيات، والتي ردّت بضرب قواعد أميركية شرقي سوريا، فعاجلتها القوات الأميركية بقصف مدفعي.
وبرر المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، الضربات الأميركية بقوله: “قررنا مهاجمة منشآتهم بعد أسابيع قليلة بطائرات مسيرة وطائرات هليكوبتر، وشوهدت صواريخ وقذائف مورتر تهاجم منشآتنا”.
غير أنه ليس ببعيد أن تكون للضربات الأميركية هدف آخر يتمثل بتعطيل المشروع الإيراني الخاص بالممر الاستراتيجي الذي تعد محافظة دير الزور التي يتحكم فيها ميليشيات الحرس الثوري الآن، قاعدة أساسية له.
الميادين.. مركز الميليشيات
وتعد مدينة الميادين في دير الزور مركزا للميليشيات التابعة للحرس الثوري، كونها نقطة استراتيجية في طريق “طهران-بغداد- دمشق-بيروت”.
وعبّر عن هذه الأهمية، الظهور العلني السابق لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، وهو يحتفل وأتباعه بسيطرة الحرس على المدينة في 2017، ليقتل بعد 3 سنوات في غارة أميركية خلال زيارته للعراق.
وحاليا، أعادت الميليشيات الإيرانية انتشارها في مدينة الميادين شرقي دير الزور ومنطقة المزارع وبلدات وقرى واقعة بين مدينتي الميادين والبوكمال كالقورية ومحكان والعشارة والصالحية والعباس والسيال والجلاء، خوفا من تعرضها لضربات أميركية جديدة.
وفي حديث وفقاً لموقع “سكاي نيوز عربية”، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن: “إن إيران لديها آلاف المقاتلين في سوريا، وجندت أكثر من 18 ألف شخص لصالح الميليشيات في عدة مناطق”، واصفا مدينة الميادين بأنها “مستعمرة أو محمية إيرانية غرب الفرات”.
وحول تأثير الضربات الأميركية على الميليشيات الإيرانية، أوضح رامي: “هناك آلاف المقاتلين التابعين لإيران موجودين في دير الزور مصوبين صواريخهم باتجاه الأهداف الأميركية وقوات سوريا الديمقراطية”.
وتابع مدير المرصد السوري قائلا: “هل الأمر يعود إلى أنه تصعيد حقيقي أم رسائل بين الطرفين؟. الأمر الآخر هو أن هذا الصراع مرتبط أيضا بمسارات الاتفاق النووي”.