مع حرارة الصيف المرتفعة وارتفاع استهلاك المياه وانخفاض منسوب الأمطار وتراجع رصيد المياه الجوفية في العام الأكثر جفافا منذ 50 سنة، تشير تقديرات إلى أن إيران مقبلة على “أزمة نقص مياه” قد تتحول لـ”حرب مدن” تهدد أوصال البلاد، في حال استمرارها، ما يجعلها أحد أسخن الملفات أمام الرئيس الجديد.
فخلال الأسابيع الماضية، شهدت مدن إيرانية في الأحواز وكرمنشاه وسيستان وبلوشتان وأصفهان وأردبيل، احتجاجات واسعة من قبل المزارعين مع نقص المياه، الأمر الذي يهدد الأراضي الزراعية بالبوار.
كما أصدرت السلطات الإيرانية قرارا، يمنع زراعة محاصيل تستهلك الكثير من المياه كمحصول الأرز، في عدة مناطق منها الأحواز.
وحذر وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان، من أن بلاده ستواجه الصيف الجاري أكثر فصول الصيف جفافا في العقود الخمسة الماضية، أي لم تشهد مثله البلاد منذ اندلاع ثورة 1979.
آلاف القرى بدون ماء
وهناك 5000 قرية بدون موارد مائية، و7000 قرية يتم إمدادها بالمياه بواسطة الصهاريج، وفقا لتصريحات عضو جمعية المخاطر البيئية والتنمية المستدامة، حميد رضا محبوب فر، لوكالة “ميزان”.
وفي محافظة كرمانشاه، يتعرض أكثر من 400 ألف شخص من سكان الحضر والريف بالمقاطعة، لضغوط المياه هذا العام، وفقا لوكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية.
وفي إقليم سيستان وبلوشستان، شرق إيران، تعاني أكثر من 3000 قرية من مشاكل الحصول على مياه الشرب، كما أن 76 قرية ما زالت تزود بالمياه بواسطة الصهاريج.
وفي الأحواز جنوب إيران، هناك أكثر من 700 قرية تفتقر إلى مياه الشرب، واعترف نائب محافظ الأحواز فاضل عبيات، بأن أقل من 70 في المئة من القرى تتمتع بأمان مياه الشرب.
وفي محافظة يزد هناك 650 قرية تعاني نقص المياه، وفي هرمزجان جنوب شرق إيران، هناك 385 قرية تواجه نقصا في المياه، وفقا لوكالة “مهر” شبه الرسمية.
ويهدد خطر الجفاف ونقص هطول الأمطار ما لا يقل عن 27 مقاطعة في إيران، وتُظهر الإحصاءات الحكومية أنه تم إخلاء 30 ألف قرية على الأقل، وفقا لـ”راديو زمانه”.
وبحسب التقارير الرسمية، فإن أن نحو 4 ملايين من سكان الريف ما زالوا محرومين من المياه الصحية والمستدامة.
لماذا تواجه إيران أزمة مياه؟
يرى رئيس المركز الوطني لإدارة الجفاف والأزمات التابع لوكالة الأرصاد الجوية في إيران، أحمد وظيفه، أن تدني هطول الأمطار وارتفاع الحرارة، وارتفاع الاستهلاك، أبرز الأسباب التي أدت إلى أزمة المياه في البلاد.
ويضيف المسؤول لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إسنا” شبه الرسمية، أن هطول الأمطار انخفض بنحو 41 في المئة منذ بداية العام (العام الفارسي يبدأ 21 مارس) مقارنة بالمتوسط طويل الأجل، وأن محافظات مثل هرمزجان وبلوشستان وفارس وكرمان وخراسان رضوي وخراسان جنوبي، شهدت تراجعا في الهطولات المطرية بين 50 و85 في المئة.
وتوقع وظيفه أن العام المائي الحالي سيكون من أسوأ سنوات المياه في إيران، خاصة وأن درجة الحرارة في ربيع عام 2021 أعلى بنحو درجتين إلى ثلاث درجات من المتوسط، ومن المتوقع أن تظل درجة الحرارة في الصيف أعلى من المتوسط طويل الأجل.
وفي الشهر الماضي، صرح الرئيس التنفيذي لشركة طهران للمياه والصرف الصحي، حميد رضا جانباز، بأن 20 في المئة من سكان العاصمة يستهلكون مياها أكثر من المعتاد، وأن هذا الاتجاه سيؤدي إلى تقنين المياه.
كذلك أدت سياسة السلطات الإيرانية بمجال بناء السدود واستغلال موارد المياه الجوفية بمضخات عالية الطاقة، والذي ووصل إلى ذروته في العقود الثلاثة الماضية، إلى استنزاف موارد المياه في البلاد، أو ما يسميه المراقبون سوء إدارة الموارد المائية.
وتحتل إيران المرتبة 131 في العالم من حيث إدارة الموارد المائية، وفقا للإحصاءات العالمية، وهو ما يكشف أن جزء من أزمة المياه في البلاد تأتي من قبل الحكومة الإيرانية.
ملف ساخن أمام رئيسي
وحمّل الصحفي الإيراني المتخصص في مجال المياه نیك آهنغ کوثر، النظام الإيراني الحاكم منذ 1979 مسؤولية التداعيات التي تواجهها البلاد في ظل أزمة المياه، قائلا إن “إفلاس المياه في إيران هو نتيجة أربعة عقود من نظام الحكم”.
وحذر كوثر في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية” من اندلاع “توترات اجتماعية”، مضيفا: “قصة المياه في إيران معقدة للغاية وسيواجه إبراهيم رئيسي بالتأكيد العديد من المشاكل المتعلقة بإمدادات المياه والغذاء بالإضافة إلى هجرة القرويين”، لافتا إلى أن هذا “سيزيد المشاكل الاجتماعية في المدن، وإذا استمرت قد تؤدي إلى العنف”.
وفي مؤتمر علمي حول السياسة البيئية في إيران، حذر رئيس منظمة البيئة الإيرانية عيسى كلانتري من تأثير أزمة المياه على الاستقرار الاجتماعي في البلاد قائلا: “وصلت إيران لمرحلة الشح المائي، وهو ما ينذر بحرب المياه بين المدن والقرى الإيرانية”، مشيرا بشكل خاص إلى محافظات الأحواز وأصفهان، ويزد، ولورستان، ومحال وبختياري.
وبالمثل، حذر رئيس اللجنة الاجتماعية في مجلس البرلمان الإيراني عبد الرضا عزيزي، في تصريحات صحفية من تأثير الجفاف على الهجرة من الريف إلى الحضر، وزيادة البطالة والتهميش المتزايد، والجريمة والإدمان، والفقر والتخلف.
وفي وقت سابق كشفت وسائل الإعلام الإيرانية عن وثائق لمؤسسة المياه الإيرانية، رفعت إلى الرئيس الأسبق حسن روحاني، تحذره من تصاعد الصراعات والاضطرابات داخل المدن، حول تقاسم المياه، مطالبة بسرعة التحرك لمواجهة حرب المياه في إيران.
ومن اللافت، أن إيران تلجأ لحل مشكلتها بخصوص المياه إلى تأزيم حالة المياه في العراق، بمنع وصول حصة بغداد من مياه الأنهار التي تنبع من إيران.
ولا تتوقف السلطات العراقية عن الشكوى ومطالبة طهران بعدم الاعتداء على المياه العراقية، وفي هذا السياق ما أعلنته وزارة الموارد المائية العراقية في وقت سابق من أنها سجلت انخفاضا كبيرا في كميات المياه الواردة من الأراضي الإيرانية، داعية المسؤولين الإيرانيين إلى عدم إلحاق الضرر بشريحة واسعة من العراقيين.
وذكرت الوزارة العراقية في بيان لها، أن “محطات الرصد الواقعة على نهر سيروان مقدم سد دربندخان، وعلى فروع نهر الزاب الأسفل مقدم سد دوكان، سجلت انخفاضا كبيرا في كميات المياه الواردة من الأراضي الإيرانية”.