الجلد والحبس والفصل من العمل والغرامة عقوبات تنتظر 60 مليون إيراني بتهمة إساءة استخدام الإنترنت، حال تم إقرار مشروع للقانون سارعت السلطات الإيرانية لتقديمه إلى البرلمان لمحاصرة أي “فورة ثورية” جديدة.
فرغم أن الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي لم يتول مهام منصبه رسميًا بعد، إلا أن الجماعة التابعة لتيار مرشد النظام، علي خامنئي، يبدو أنها تجهز لقدومه بسن تشريعات ربما تعكس سياساته المستقبلية.
ومن بين هذه التشريعات، مشروع قانون عنوانه “حماية حقوق المستخدمين في الفضاء الإلكتروني وتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي” يخص فرض رقابة صارمة على الإنترنت.
1400 متطوع
ومشروع القانون، تم تقديمه من قبل اللجنة الثقافية في البرلمان بهدف ممارسة السيادة على الفضاء السيبراني في إيران، وفقا لما ذكرته وكالة “مهر” للأنباء شبه الرسمية.
واللافت أن تقديم مشروع القانون جاء بعد أيام من فوز إبراهيم رئيسي بانتخابات الرئاسة، وهو عضو في مجلس الفضاء السيبراني، ومشروع القانون مماثل لآخر قدمه، رضا تقي بور، عضو البرلمان المحسوب على تيار خامنئي، وأحد الذين عمل إبراهيم رئيسي تحت إداراتهم، ولكن تم رفضه حينها؛ خوفا من التقليل من حظوظ “رئيسي” في الانتخابات.
والآن بعد فوزه بالانتخابات من المتوقع أن يمرر البرلمان مشروع القانون، حتى لا يتكرر ويتخذه المعارضون لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي للدعوة إلى التظاهر كما حصل فيما اشتهر باسم “الثورة الخضراء” سنة 2009 واحتجاجات 2017 و 2019 ضد السلطات.
وفي مارس الماضي، تحدث صراحة خامنئي عن مراقبة الفضاء السيبراني كي لا يتحول لأداة في يد الأعداء، وعلى الفور استجاب له الحرس الثوري- الذراع العسكري للمرشد في الداخل والخارج- وأعلن إنشاء مقر يضم أكثر من 1400 متطوع لمراقبة الإنترنت.
مجلس الإشراف
ومن المقرر أن تعقد لجنة “مجلس التنظيم والإشراف على شبكات التواصل الاجتماعي” بحضور رئيس المركز الوطني للفضاء السيبراني وممثلين كاملين عن الوزارات، ومخابرات الحرس الثوري، ومنظمة الدعاية الإسلامية، وإنفاذ القانون والدفاع، بالإضافة إلى ممثل عن اللجنة الثقافية، جلسة استماع ومناقشة لمشروع القانون المقدم.
إضافة إلى المراقبة، يتحدث مشروع القانون أيضا عن تأسيس مجلس مهمته تسجيل وإصدار الموافقات أو التراخيص للمراسلين، وتحديد الانتهاكات والتحقيق فيها، وتحديد الغرامات.
ويشرف على هذا المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، وهو هيئة حكومية تأسست مارس 2012 بناء على أوامر خامنئي، بهدف وضع السياسات العامة رفيعة المستوى بشان الفضاء السيبراني.
ويحدد المجلس الرسائل الفعالة بناءً على عدد المستخدمين المسجلين وعدد المستخدمين النشطين يوميًا وأسبوعيًا وشهريًا ومعدل نمو عضوية المستخدمين في برامج التواصل الاجتماعي والتوزيع الجغرافي ونوع الخدمة وحجمها، وفقا لمشروع القانون.
عقوبات صارمة.. الحبس والجلد
وعن معاقبة من يعتبرهم مشروع القانون مخالفين، فإنه نص على معاقبة منتهك القانون بعقوبات بالسجن من 6 أشهر إلى سنتين، والفصل من العمل الحكومي، وغرامة من مليون إلى مليوني تومان، والجلد من 11 إلى 30 جلدة، والحرمان من الحقوق الاجتماعية لمدة تصل إلى 6 أشهر.
كما يجبر مشروع القانون الشركات والشعب الإيراني والأجانب داخل إيران على استخدام شبكة الإنترنت الوطنية والتطبيقات المحلية، وفي حالة المخالفة يتم تطبيق العقوبات المنصوص عليها.
ويمنع مشروع القانون من هم أقل من 18 عاما من استخدام مواقع التواصل، ومعاقبة من يستخدم برامج “vpn” وهي برامج يستخدمها الإيرانيون للوصول إلى المواقع والتطبيقات المحظورة.
وتشير التقديرات الآن إلى أن ثلثي السكان البالغ عددهم 80 مليون إيراني، يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعية أو وسائل الإعلام المحظورة، ويلجأون إلى برامج “vpn” للدخول إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي المحظورة مثل فيس بوك وواتساب وتلغرام وسكايب وتويتر.
وهو ما يعني احتمال معاقبة نحو 60 مليون إيراني بالسجن والجلد والغرامة لو جرى تطبيق القانون.
سيطرة كاملة للحرس الثوري
لكن معاقبة مستخدمي الإنترنت ليست أداة التحكم الوحيدة للسلطات، فللحرس الثوري دور في إدارة خوادم الإنترنت، وسط توقعات بنقل إدارة الإنترنت من وزارة الاتصالات إلى الحرس وفق موقع “راديو زمانه” المعارض.
وبذلك تتسع سيطرة الحرس الثوري على مجال الاتصالات، فهو مستحوذ على شركة الاتصالات المملوكة للدولة من خلال عمليات الخصخصة، ومع قرب إطلاق شبكة الإنترنت الإيرانية المنفصلة عن الشبكة العالمية (ININ)، ونقل بوابات الإنترنت الدولية إلى الحرس الثوري، ستكتمل هيمنته على جميع قطاعات الاتصالات.
وفي سبتمبر 2019 اعتمد المجلس الأعلى للفضاء السيبراني “وثيقة الهوية المعتمدة في الفضاء الافتراضي” لتحديد هوية المستخدم محليا.
لماذا القانون؟
ويبرر عضو اللجنة الثقافية في البرلمان سید علي یزدی خواه ما ورد في مشروع القانون بأن هدفه هو مساعدة المستخدمين على الاستخدام الأمثل للفضاء السيبراني.
أما المعارضين فلهم رأي آخر، فيعتبر الباحث في الشأن الإيراني والقيادي بحزب التضامن الديمقراطي الأحوازي وجدان عبد الرحمن أن المشروع هدفه قطع الطريق على التواصل بين المحتجين داخل إيران وأيضا خارجها.
وفي تقدير عبد الرحمن، فإن مشروع القانون المكون من 20 مادة يعني أن هناك “انفصاما كبيرا” بين النظام الحاكم والشعب، مستدلا في حديثه لـموقع “سكاي نيوز عربية” بأن المحتجين استخدموا مواقع التواصل على الإنترنت في حملة مقاطعة انتخابات الرئاسة، وهو ما كان “إنذارا” للسلطات من تكون “فورة ثورية” جديدة.
غير أن الباحث الإيراني توقع أن تفشل أهداف الحكومة من مشروع القانون؛ مبررا ذلك بأن في إيران 73 مليون مستخدم لشبكات التواصل الاجتماعي، وليس لدى طهران قدرة على مواجهة هذه الملايين، كما أن تجربة السلطات في محاربة “الستلايت” بهدف مواجهة المد الغربي، بائت بالفشل أمام إصرار الشعب على حماية حريته في الحصول على المعرفة.
كذلك حذر من أن حتى الشريحة البسيطة التي صوتت في الانتخابات ستغضب من هذا القانون؛ بعد أن وعد فيها المرشحون للرئاسة بحرية الإنترنت.