بالرغم من الاضطهاد السياسي والاجتماعي والأمني الذي يتعرض له المنحدرون من أقليات دينية ومذهبية في إيران، فإن البرلمانيين الإيرانيين المعتبرين كـ”ممثلين للأقليات الدينية” أصدروا بيانا دعوا فيه أبناء جماعاتهم للمشاركة المكثفة في الانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد أسبوع واحد.
سلوك هؤلاء البرلمانيين اعتبره المراقبون للمشهد الإيراني بمثابة دليل على انفصام هؤلاء عن مشاكل وأوضاع أبناء الأقليات في هذه البلد، وأنهم مُعينون من قبل السلطة الحاكمة.
وطوال الأيام الماضية من الحملة الانتخابية، لم يتطرق المرشحون السبعة للانتخابات الرئاسية الإيرانية لشؤون ومشاكل أبناء الأقليات الدينية والمذهبية في إيران، خصوصا وأن الدستور الإيراني ينص في بنوده التأسيسية على أن “الإسلام على المذهب الجعفري الأثني عشري (الشيعي) هو الدين الرسمي لإيران، وأنه الأصل الذي يبقى إلى الأبد”.
وتطرق المرشح الإصلاحي عبد الناصر همتي خلال عرضه لبرنامجه الانتخابي إلى أوضاع الأقليات الدينية في البلاد، مذكرا بأنه سيزيد من مشاركتهم إلى جانب النساء في إدارة مؤسسات البلاد، دون أن يتناول أيا من التفاصيل التي تخص أحوالهم المعيشية والسياسية.
ومن جانبه تهرب المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي، المعتبر مسبقا شبه فائز، والذي كان رئيسا للسلطة القضائية في البلاد، والمتهم في أكثر من واقعة بإصدار أحكام قضائية جائرة بحق أبناء الأقليات الدينية والمذهبية، من السنة والبهائيين والمسيحيين، بإجابات رسمية عامة حول أي طرح لمشكلة الأقليات الدينية، وبالحديث عن وحدة الأمة الإيرانية ومصيرها المشترك.
ترهيب الأقليات
وتشير تقديرات إلى أن تعداد المواطنين الإيرانيين من غير المسلمين الشيعة يتجاوز عشرة ملايين نسمة، أي قرابة 12 في المئة من سكان البلاد، يشكل منهم الأكراد والعرب والبلوش المسلمون السنة أغلبية، بينما يمثل المسيحيون والزرداشتيون والمندائيون والبهائيون واليهود قرابة 2 في المئة، لكن أعدادهم تتراجع بشكل دوري، بسبب الضغوط التي تُمارس عليهم.
ووفقا للتقرير الأميركي السنوي للحريات الدينية 2020، والذي استند إليه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في أول تعليق له حول إيران، قال: “تواصل إيران ترهيب ومضايقة واعتقال أعضاء الأقليات الدينية، بما في ذلك البهائيين والمسيحيين واليهود والزرادشتيين والسنة والمسلمين الصوفيين”.
وفي حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أوضح الباحث الإيراني في الشؤون السياسية سنان زاجيري، الآليات التي تعمل عليها السلطات الإيرانية في ملف الأقليات الدينية والمذهبية في البلاد: “الأهم بالنسبة للسلطات الإيرانية هو التغطية السياسية والإعلامية على أشكال الاضطهاد التي يتعرض لها قرابة عشرة ملايين من مواطنيها. ولفعل ذلك تخلق ممثلين سياسيين وظيفيين لأبناء هذه الأقليات الدينية والمذهبية، موالون لها ويحاولون التغطية على أوضاع أبناء جماعاتهم، ويصورون أحوال الحياة الدينية والحريات العامة على أنها في قمة المساواة”.
وأضاف زاجيري قائلا: “يشكل النائب اليهودي همايون سامح آبادي نموذجا لذلك الدور، فهو يعرض للإعلام صورة مزخرفة لأوضاع الأقلية اليهودية في إيران، بالرغم من تناقص أعدادهم من قرابة 80 ألفا في عام 1979، إلى أقل من 15 ألفا في الوقت الراهن، تحت ضغط نزيف الهجرة نتيجة الضغوط”.
تهرّب من الإجابة
وجهت الفئات الشبابية من أبناء الأقليات الدينية والمذهبية الإيرانية أسئلة مباشرة لمرشحي الرئاسة الإيرانية بشأن “بطاقة الهوية الوطنية البارومترية” ودورها في مراقبة واضطهاد الأقليات الدينية والمذهبية في البلاد، لكن المرشحين إما أعرضوا عن الإجابة أو اعتبروها جزء من “أتمتة مؤسسات الدولة في إيران”.
والبطاقة التي تم توزيعها بشكل إجباري على مختلف سكان البلاد منذ أوائل هذا العام، وتحوي على معلومات تحدد دين ومذهب الشخص الحاصل عليها، تعد الوسيلة الوحيدة للدخول إلى شبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي، ما يعني بأن السلطات الأمنية الإيرانية تستطيع أن تتابع نشاطات واهتمامات وأشكال تواصل المواطنين من أبناء الأقليات الدينية والمذهبية بشكل مباشر.
وفي ذات السياق، عدد الكاتب والمعلق الإيراني دوغان شرفاني، في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”، مستويات الاضطهاد السياسي والعقائدي التي يتعرض لها أبناء الأقليات في إيران بالقول: “ربما تكون مفاجأة كبرى إذا ما قلنا بأن اليهود والمسيحيين الإيرانيين هم الأقل تعرضا للاضطهاد نسبيا من باقي أبناء الأقليات، فأبناء الطائفتين المقدر أعدادهم بنحو 150 ألف نسمة، يعرضهم ويستخدمهم النظام السياسي الإيراني في علاقاته مع الدول الغربية، ومع ذلك فإن ثلاثة أرباعهم هاجروا خلال السنوات الأخيرة، تحت ضغوط الظروف الاقتصادية والقمع السياسي العام. أما المسلمون السنة، فإنهم مهمشون تماما من أي دور عام في البلاد، ومناطقهم مهملة، ولا يستطيعون المجاهرة بمعتقداتهم في الأماكن العام بشكل مريح. الطائفة الأكثر تعرضا للقمع هُم البهائيون، ويقدر عددهم بحوالي 350 ألفا، وتتعرض دور عباداتهم للتنكيل، كذلك يطال التخريب مقابرهم، ويُسجن كبار دعاتهم ويُعاقبون بسنوات سجن مديدة بسبب معتقداتهم”.
جدير بالذكر أنه خلال سنوات التسعينات، وبينما كانت موجة الحركة الإصلاحية تتصاعد في البلاد برئاسة محمد خاتمي، فإن نقاشا برلمانيا وشعبيا وسياسيا كان يتصاعد في إيران بشأن حقوق وأوضاع الأقليات الدينية والمذهبية في البلاد، لكن تهشيم الموجة الإصلاحية آنذاك أطاح بأي حديث حول ذلك حتى الآن.