أجبر اقتصاد إيران المنهار النظام على العودة إلى طاولة المفاوضات في فيينا بشأن برنامجها النووي المثير للجدل، وتقطع صحيفة، دير شتاندارد، النمساوية، بأن النظام الإيراني سيفعل المستحيل لإتمام اتفاق على غرار ما جرى في العام 2015، أملًا في طوق نجاة أخير من العقوبات الخارجية ومن حالة الغليان في الداخل جراء الأوضاع المعيشية المتدهورة.
كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد أنهى المعاهدة التاريخية الموقعة في العام 2015 من جانب واحد بعد 3 سنوات فقط من إبرامها، ونتيجة لذلك لم تعد إيران تفي بالتزاماتها بالكامل، ولا بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، مع الغرب في هذا الملف. غير أن الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، يستهدف إلى العودة للخطة الشاملة بشروط وضمانات أكثر رسوخًا، في حين أفادت التقارير أن المفاوضات الجارية حاليًا بين طهران والغرب تحرز تقدماً.
بدون رفع العقوبات الاقتصادية والمالية القاسية، هناك خطر الانهيار الاقتصادي. وبالتالي لم يكن استعداد النظام الإيراني للدخول في مفاوضات جديدة مفاجئًا بأي حال من الأحوال، وفق الصحيفة النمساوية
وأدت سياسة «الضغط الأقصى» التي انتهجها ترامب إلى دفع الاقتصاد الإيراني إلى حافة الانهيار. في عام 2019، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة سبعة في المائة بعد أن تقلص بالفعل بنسبة اثنين في المائة في عام 2018. ووصلت الأضرار الاقتصادية لكورونا عام 2020 إلى 2 في المائة أخرى بـ«الناقص» من إجمالي الناتج المحلي.
وانخفض العملة المحلية بنسبة هائلة بلغت 450 % مقابل الدولار الأمريكي بحلول ديسمبر 2020. وبسبب العقوبات الأمريكية القاسية على صادرات النفط الإيرانية، تقلصت الصادرات بمقدار الثلثين لتصل إلى 31 مليار دولار أمريكي فقط في عام 2019. رعم أنه وفي العام السابق، حققت إيران ما يقرب من 90 مليار دولار أمريكي من الصادرات.
نتيجة لذلك، انهارت احتياطيات النقد الأجنبي أيضًا. كما تسبب تجميد الأرباح الإيرانية التي تم تحقيقها بالفعل في بلدان أخرى، في تفاقم النقص في النقد الأجنبي.
وانهارت الواردات أيضًا. فقد استوردت إيران سلعا بقيمة 52 مليار دولار تقريبا في عام 2017 ، مقارنة بسلع تقل قيمتها عن 29 مليار دولار في عام 2019. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة التي تضررت بشدة من الوباء، كانت بالكاد قادرة على شراء لقاح كورونا والمعدات الطبية من السوق العالمية.
وفي التجارة الخارجية، أدى النقص في النقد الأجنبي إلى إنشاء معاملات صرف غير فعالة. كما أدى الانخفاض الحاد في واردات الآلات والسلع الرأسمالية إلى تغذية الركود المستمر منذ عام 2018.
أما الخزانة العامة للدولة باتت فارغة بالمقابل. ففي السنة الحالية، انخفضت النفقات المدرجة في الميزانية بنسبة سبعة في المائة من القيمة الحقيقية، على الرغم من صدمات كورونا. وهناك ببساطة نقص في الأموال تحت حساب السياسة الاقتصادية المعاكسة للتقلبات الدورية، والتي عادة ما يتم رصدها من أجل استقرار الوضع. وعلى خلفية تضاؤل عائدات النفط والحصار على الائتمانات الأجنبية، لم يكن أمام حكومة الرئيس حسن روحاني خيار سوى تمويل العجز من خلال طباعة العملة. ونتيجة لذلك، ارتفع التضخم بشكل حاد.
قبل احتفالات رأس السنة الإيرانية في 2019 و 2021، سجلت إيران تضخمًا سنويًا تجاوز 50%. وإذا لم يكن هناك اتفاق في المفاوضات النووية، فمن المحتمل أن تعيد الحكومة تشغيل مطابع العملة بدافع الضرورة. ومن ثم فهناك تهديد بالتضخم المفرط مع عواقب اقتصادية واجتماعية غير متوقعة.
وأصبحت قطاعات كبيرة من السكان فقيرة بالفعل اليوم. بين مارس 2018 ومارس 2020، ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر لتصل إلى 11٪. مرارا وتكرارا في السنوات القليلة الماضية كانت هناك أعمال شغب دموية موجهة ضد البؤس الاجتماعي. في ديسمبر 2017 ويناير 2018 ، أثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية احتجاجات في جميع أنحاء البلاد.
في نوفمبر 2019، تسبب ارتفاع أسعار البنزين في اضطرابات هائلة في جميع أنحاء البلاد بسبب خفض دعم الوقود. وبحسب منظمة العفو الدولية، لقي حوالي 300 شخص مصرعهم في حملة القمع الوحشية. وقد اندلعت أعمال الشغب في فبراير الماضي مرة أخرى في إقليم بلوشستان الفقير. وإذا ساء الوضع الاقتصادي، يمكن أن تتطور الاحتجاجات المتفرقة بسرعة إلى انتفاضة شعبية. وبالتالي، فالنظام يريد منع مثل هذا السيناريو بأي ثمن.
لذلك فهو بحاجة إلى رفع العقوبات الاقتصادية وبالتالي أصبح النجاح في مفاوضات فيينا النووية ضرورة قصوى. ومن شأن الخاتمة الناجحة أن تتصدى لمعدلات المشاركة المنخفضة المتوقعة في الانتخابات الرئاسية في 18 يونيو الجاري، وتعطي الشرعية للانتخابات.
وستكسب إيران الكثير إذا تم رفع معظم العقوبات. فيمكن أخيرًا الموافقة على قرض طارئ عاجل لمواجهة كورونا بقيمة خمسة مليارات دولار أمريكي من صندوق النقد الدولي. وهناك حاجة ماسة إلى المزيد من اللقاحات والمعدات الطبية للتعامل مع الوباء المتفشي. ومن المرجح أن يؤدي الاتفاق لاستئناف صادرات النفط البالغة 2.5 مليون برميل يوميًا.