أم المسلمين اليوم الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح البدير واستهل فضيلته خطبته الأولى محذراً من أخطار تعاطي الخمور والمخدرات فقال : من أعظم المناهي وأشد الدواهي التي غالت شباب الإسلام وذهبت بعقولهم وصحة أبدانهم وزهرة حياتهم وكرامة نفوسهم وتورطوا بسببها في المهالك وأسوأ المسالك معاقرة الخمر وإدمان شربها وتعاطي المخدرات وملازمة تناولها بابتلاعها أو شمها أو حقنها أو تدخينها .
وما زالت الخمر تغتالنا وتذهب بالأول الأول والخمر: كل شراب خامر العقل فستره وغطى عليه ويدخل في ذلك الكحوليات والحشيشة والأفيون والهروين والمورفين والكوكايين والكبتاجون ونحوها من المواد المسكرة والمخدرة لاشتراكها في إزالة العقل وبعضها أخبث من بعض وجميعها مفتاح الردى وباب المصائب ومجمع الخبائث ومصدر المكاره والغوائل ورأس كل فاحشة ومنبع كل شر وأصل كل خزي وهي أم الكبائر والآثام ولقمة الفسوق والفجور وشراب الغواة والعصاة و السفلة والأراذل.
وشرب مقيس بن صبابة السهمي الخمر في الجاهلية فسكر سكرا شديدا قبيحا حتى مر ينادي قومه ويخط ببوله ويقول: أصنع لكم نعامة أو بعيرا، فلما صحا، خبر بما صنع فحرمها على نفسه وقال:
تركت الراح إذا أبصرت رشدي…فلست بعائد أبدا لراح
أأشرب شربة تزري بعرضي…وأصبح ضحكة لذوي الصلاح
معاذ الله لا يودي بعقلي… ولا أشري الخسارة بالرباح
سأترك شربها وأكف نفسي… وألهيها بألبان اللقاح
وتحدث فضيلته عن المخدرات الكيميائية والصناعية وخطورتها فقال: وقد انبعثت في المجتمعات الإسلامية وانتشرت أنواع وأشكال وأصناف من المخدرات الصناعية والكيميائية الحديثة التي تحوي السم الناقع البالغ القاتل القاطع وتؤدي إلى وفاة المتعاطي أو انتحاره أو تعرضه لموجات عنيفة من العدوانية المفرطة، و الحالات الهيستيرية المتقدمة التي تحوله من كائن إنسي إلى كائن وحشي لا يؤنس به ولا يطمئن إليه ولا يؤمن شره يتلف المال ويعذب الزوجة والعيال ويجلب الشقاء لأهله وذويه وأمه وأبيه و سره لعدوه يفشيه وعن والديه يواريه ينصت لقول الصحبة الفاسقة المارقة ويتجافى عن الامحوضة الصادقة و النصيحة المشفقة الخالصة ويتحاشى الوعظ ويتعامى عن التذكير ولا يصاحب إلا الرذالة والحثالة ولا يأوي إلا إلى الحشوش المحتضرة .
ومن أجل هذه المساوئ والمفاسد والآفات والمضار تظاهرت النصوص وانعقد الإجماع على تحريمها وتحريمها معلوم من الدين بالضرورة وهي من كبائر الذنوب .
قال جل وعز: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)، فالخمر والمخدرات والمسكرات والمفترات من الرجس الخبيث المستقذر والقبيح الممنوع الذي يأمر به الشيطان الطريد البعيد وهي من عمله وتزيينه وتسويله لأنه لا يأمر إلا بالمعاصي والخبيث لا يدعو إلا إلى الخبيث والضليل لا يأمر إلا بالضلالة، ومراد اللعين ومنتهى آماله من تزيين تعاطي شرب الخمر إيقاع العبد في العمل الموجب للخلود معه في النار ودار الخسار.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم: “أن لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وحرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر ” أخرجه ابن ماجه وعند أحمد من حديث معاذ رضي الله عنه: «لا تشربن خمرا فأنها رأس كل فاحشة»، من مات مستحلا لها مات مرتدا راجعا عن دينه كافرا بعد إسلامه لأنه أحل الحرام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أو لم يسكر؛ والسكر منها حرام باتفاق المسلمين؛ ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب؛ فإن تاب وإلا قتل مرتدا لا يصلى عليه؛ ولا يدفن في مقابر المسلمين”.
واختتم فضيلته خطبته الأولى بتحريم الشرع لبيعه سواء لمسلم أو لكافر فقال: ولا يحل بيع الخمر، لا لمؤمن، ولا لكافر: ولا يجوز التوكل في بيعه ولا شرائه لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله تعالى حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ، ولا يبع) رواه مسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: بيع الخمر باطل سواء باعها مسلم أو ذمي أو تبايعها ذميان ، أو وكل المسلم ذميا في شرائها له فكله باطل بلا خلاف عندنا”.
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن مهربي المخدرات والمسكرات وحكمهم فقال: إن مصنعي المخدرات ومهربوها ومروجوها إلى بلادنا وشبابنا وإلى بلاد المسلمين هم أخبث الخلق وأفسدهم عقيدة وأنتنهم فكرا وأقبحهم سلوكا وأشدهم عداوة للسنة وأهلها أولئك القوم البعداء البغضاء الذين دمنت قلوبهم ووغرت صدورهم ودويت نفوسهم وامتلأت غلا وحقدا وغيظا وعداوة حتى أدخلوا المخدرات في مهمات الدوائر الاستخباراتية والخطط الاستراتيجية كسلاح من أسلحة الحروب الشاملة لتدمير الشعوب المسلمة يهربونها نكلة بنا وبغضا لنا وختلا ومخادعة وغايتهم أن يصبح شبابنا جيلا دامرا خاسرا هالكا لا خير فيه فأفيقوا يا شباب الإسلام واحترزن يا فتيات الإسلام واحتذروا يا أهل التوحيد والسنة وابتعدوا عن دروب الخمور والمخدرات ولايستزلنكم المروجون والمهربون ولا يغوينكم رفقاء السوء وإياكم ومهابط المتعاطين ومجالس المدمنين ومسالك الغواة الساقطين فمسارب الحيات بادية في السهول والدساسة تحت التراب والعقربان دخال الأذن يسري في خفاء وبيض السام تحت الصخور.
ونوجه الشكر والتقدير للمديرية العامة لمكافحة المخدرات في بلادنا الغالية ونشيد بدورها البطولي العظيم في إحباط عمليات التهريب وتعقب عصاباتها داخليا وخارجيا، ونذكر المسلمين بوجوب التعاون معها ودعم برامجها ووجوب إبلاغها عن مهربي ومروجي المخدرات والكشف عن شبكاتهم وأوكارهم الخبيثة ولا يجوز الستر على المهربين والمروجين والمتستر عليهم مشارك لهم في الجريمة.
فاتقوا الله في أهلكم ومجتمعكم واعلموا أن مكافحة المخدرات مسؤولية الجميع لكي يسلم الجميع، وشعارنا وغايتنا وأملنا وهدفنا وطن بلا إدمان وأسرة بلا تعاط وحياة بلا سموم ولا مخدرات وسلاحنا التثقيف والتوعية والتربية، ثم إن الترابط الأسري والمودة والتراحم بين الوالدين واللحمة والألفة بين الإخوة درع سابغة تحمي الشباب والفتيات من العواقر والنواقر والمخاطر.
واختتم فضيلته خطبته الثانية بنصح من يتعاطى المخدرات بتركها لله فقال: وننادي كل مدمن ومتعاط للخمر والمخدرات أرقها وفارقها ولا تذقها وانهض من عثرتك وقم من كبوتك وقف ولو تتابع سقوطك وتب ولا يهلك قنوطك وعد إلى أهلك وعد إلى الحياة الكريمة الشريفة والعيشة الطبيعية الهانئة وليس ذلك ببعيد أو ممتنع أو مستحيل بل هو أمل سهل ممكن قريب ومتاح متى ما عزمت ونويت وانتهيت وارعويت، وندمت وبكيت، وفتحت للخير عينيك، وقمت للهدى مشيا على قدميك وستجد أهلك وجيرانك وأقاربك ومجتمعك معك يؤيدك ويسددك ويناصرك ويؤازرك في طريق عودتك فاعزم واجزم واحزم ووجه للحق وجهك وقصدك والتحق ببرامج علاج الإدمان والتخلص من السموم التي تراعاها الدولة – أعزها الله- وزر المختصين من الأطباء والممرضين في المصحات والمشاف وخذ منهم المشورة والتوجيه وتلك خطوة البداية وطريق الهداية ونهاية الغواية أقال الله لنا ولك العثرات وغفرلنا ولك الزلات والخطيات.