في يوم واحد، أطلق وزيرا الدفاع والطاقة التركيان تهديدات مباشرة ضد اليونان، في مؤشر يُنذر بتفاقم الأزمة بين البلدين، بعد إخفاق المفاوضات بين الطرفين.
وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، خاطب الحكومة والمسؤولين اليونانيين قائلاً: “لا جدوى من الخطابات الاستفزازية”، مذكراً بأن بلاده تُريد حل المشاكل العالقة مع اليونان عبر ما أسماه “القانون الدولي”، لكنه شدد على رفض بلاده لما اسمه “الحلول التي تستند على فرض الأمر الواقع”.
وجاءت تصريحات الوزير التركي عقب بيانات رسمية عدة صدرت عن المسؤولين اليونانيين، الذين اتهموا تركيا باتباع “سياسات توسعية”.
الوزير التركي شدد على رفض بلاده تدخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الشؤون الثنائية بين البلدين، الأمر الذي يُعد تراجعاً من قِبلها بالوساطات التي قبلت بها خلال ذروة التصعيد بين البلدين في أواخر العام الماضي.
“تهديد مباشر”
وأتهم أكار الجانب اليوناني بالمحاولة المُتقصدة لما أسماه “الزج بالولايات المُتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في الخلافات الثنائية، وهو أمر لن يعود بالنفع على أحد، وسوف تضر باليونان وشعبها”، وهو تفصيل أعتبره المراقبون اليونانيون بمثابة التهديد المباشر.
وبعد ساعات قليلة من تصريحات وزير الدفاع، أعلن وزير الطاقة التركي، فاتح دونميز، عن نية بلاده حفر المزيد من الآبار في إطار تنقيبها عن الغاز في شرق المتوسط.
وأضاف أن بلاده ستتوجه لفتح 8 آبار جديدة، بالقُرب من الآبار القديمة، حسب تصريحات خاصة للقنوات الرسمية.
وتعد هذه التصريحات التركية الرسمية الأولى بشأن الاستمرار بسياساتها التقليدية، المتمثلة بالاستمرار في عمليات التنقيب دون تنسيق مع اليونان، بعدما كانت دول الاتحاد الأوروبي قد فرضت عقوبات مخففة وتحذيرية على تركيا في شهر ديسمبر من العام الماضي، وتراجعت تركيا وقتئذ من ممارساتها تلك.
أسلوب تقليدي
وتعليقاً على التصعيد الخطابي التركي الأخير، قال الباحث التركي، شامل أوغزو، في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “هذا جزء تقليدي من آليات التصعيد التي تمارسها حكومة الرئيس أردوغان بشكل دوري مع اليونان. من طرف تسعى السلطة الحاكمة لسحب العصب القومي في البلاد، ومن طرف آخر توصل رسائل واضحة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وحتى حلف الناتو”.
وتابع أن إصرار تركيا “على اعتبار القانون الدولي فيصلاً بين البلدين، وليس التقاسم الثنائي للخيرات الطبيعية في شرق المتوسط كما ترغب الحكومة التركية، أنما سيكون عاملاً للتصعيد بين البلدين، وتالياً توريط الحلفاء المشتركين في أزمة كبيرة”.
خلال الشهور الأربعة الماضية، كان البلدان قد دخلا في جولة مفاوضات مُتعددة، ناقشا مختلف الملفات العالقة بينهما، من إمكانية إعادة توحيد الجزيرة القبرصية إلى عمليات التنقيب عن الثروات في شرق البحر المتوسط، وصولا إلى حقوق أبناء الطوائف المسيحية اليونانية داخل تركيا، والتي كانت تجري برعاية ومشاركة عدد من القوى العالمية. لكنها جميعاً لم تتوصل إلى أية نتيجة.
الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية اليوناني إلى تركيا في أواسط شهر أبريل الماضي، كانت أكبر مؤشر على فشل التهدئة وجهود الوساطة بين الطرفين، إذ هدد وزير الخارجية اليوناني أثناء المؤتمر الصحفي في العاصمة التركية أنقرة بفرض عقوبات على تركيا إذا حاولت “انتهاك سيادة اليونان”.
وهو تهديد الذي رد عليه وزير الخارجية التركي أثناء نفس المؤتمر: “أتيت إلى هنا وتحاول اتهام تركيا، لتبعث برسالة إلى بلدك، لا يمكنني قبول ذلك”.
تناقض تركي
المراقبون ومراكز الدراسات الأوروبية كانت قد كثفت من أورقها ودراساتها السياسية بشأن المسارات التي يُمكن للاستراتيجية التركية أن تتبعها بعد مرحلة فشل التفاوض الثنائي مع اليونان، وكانت قد توصلت بأغلبيتها المُطلقة إلى أن التصعيد الحذر سيكون الاحتمال الأكثر ترجيحاً.
مركز “شبكة القيادة الأوربية ELN” نشرت دراسة تفصيلية حول الموضوع، كتبها المختص في الشؤون التركية اليونانية، كريستيان شولثايس، شرح فيها انعدام الخيارات أما تركيا.
وكتب: “مطالبة تركيا بالحدود، دون الإقرار بوجود استحقاقات الجرف القاري اليوناني والقبرصي هو جوهر المسألة، لأن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وأحكام محكمة العدل الدولية، وكل ممارسات الدول في في شأن ترسيم الحدود البحرية، تعترف صراحة بربط أية منطقة اقتصادية خالصة واستحقاقات الدول فيها بوجود الجرف القاري لسواحلها وجزرها”.
وتابع: “فيما يتعلق باستحقاقات الجرف القاري اليوناني والقبرصي، فإن الموقف القانوني لتركيا يتناقض بشكل جوهري مع قانون البحار”.
“ضد التجاهل”
أما مجلة “فورين بوليسي” فقد اعتبرت أن نزوع تركيا تجاه التصعيد يتوخى التحذير من تجاهلها في السياسات الإقليمية.
وكتبت: “أعطى انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة دفعة للعلاقات بين اليونان والولايات المتحدة. بعد الانتخابات، لم يتصل بايدن بأردوغان حتى الـ 23 من أبريل الماضي، وعندها فقط أخبر الزعيم التركي أنه على وشك الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن. كذلك من المقرر توقيع اتفاقية تعاون عسكري ثنائي جديدة بين أثينا وواشنطن هذا الصيف”.
وتابعت: “ومن المرجح أن يتم توسيع القاعدة الأميركية في “خليج سودا” بجزيرة كريت اليونانية نتيجة لذلك.. في الوقت نفسه، فإن العزلة التركية هي أيضًا مصدر قلق كبير لأثينا، التي تدرك أنها ستكون دائماً أكثر راحة مع تركيا ذات المعزولة في هذا الوقت”.