يتحرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نحو تمديد وجود بلاده العسكري في ليبيا، ضمن مساع أوسع تهدف إلى معالجة الأوضاع المرتبكة داخليا والتصعيدية خارجيا.
والسبت تقدم أردوغان بمذكرة للبرلمان التركي، مطالبا بتمديد مهام قواته في ليبيا لمدة 18 شهرا إضافيا اعتبارا من يناير المقبل، وتعد الموافقة على الطلب أمرا مرجحا للغاية.
ويتزامن التحرك التركي مع جهود تبذلها الأمم المتحدة لإيجاد مخرج سياسي للأزمة الليبية، فضلا عن العقوبات التي تواجهها أنقرة من جانب أوروبا وأميركا بسبب أنشطتها العدائية شرقي البحر المتوسط، وحصولها على منظومة الصواريخ “إس 400” الروسية.
المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي فتحي المريمي، قال إن “المجلس الشرعي رفض منذ البداية وجود هذه القوات، وبالتالي لا يوافق على تمديد بقائها في ليبيا”.
وفي تصريحات لموقع”سكاي نيوز عربية”، اتهم المريمي رئيس حكومة طرابلس فايز السراج بـ”الخيانة العظمى”، عقب توقيعه مذكرتي تفاهم في نوفمبر 2019 مع أردوغان، أرسلت أنقرة بموجبهما قوات عسكرية ومرتزقة إلي ليبيا منذ يناير الماضي.
ولفت إلى اتفاق اللجنة العسكرية الليبية المشتركة المعروفة بـ”5+5″، الذي يقضي بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.
تعويض الخسائر
وحول إمكانية عرقلة القرار التركي للحوار السياسي الحالي بين الفرقاء الليبيين، أوضح المريمي أن “هذا الحوار لم يتم إلا بعد اتفاق وقف إطلاق النار، والتوافق على خروج القوات الأجنبية، وهو المطلب الذي تتوافق عليه الأطراف الليبية”.
وشدد المستشار الإعلامي على أن “تركيا تبحث عن مصالحها، ونظرا لأنها تمر بأزمة مالية داخلية، فإنها تسعى عبر وجودها في ليبيا لتعويض خسائرها باستنزاف الموارد الليبية”.
وتمر تركيا بأزمة اقتصادية وانخفاض سعر عملتها المحلية (الليرة) لمستويات غير مسبوقة، وتنتظر عقوبات متوقعة بقوة من جانب أوروبا والولايات المتحدة.
ضرب جهود التسوية
ومن جهة أخرى، يرى عضو البرلمان الليبي علي التكبالي، أن أنقرة بسعيها إلى تعويض خسائرها المالية “تعمل على إطالة أمد الأزمة في ليبيا، وذلك عبر ضرب جهود التسوية السياسية”.
وأضاف التكبالي أن أنقرة “ستحاول إفشال التسوية بكل الوسائل”.
وترعى البعثة الدولية للدعم في ليبيا جهودا دبلوماسية مكثفا لجمع الفرقاء من أجل الاتفاق على اختيار مجلس رئاسي وحكومة، لإدارة مرحلة انتقالية حتى إجراء الانتخابات المقررة في ديسمبر 2021.
السيطرة والمفاوضات
وتابع التكبالي في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “الأتراك لم يأتوا إلى ليبيا لكي يرحلوا عنها، وإنما لكي يظلوا أطول فترة ممكنة”.
وأوضح البرلماني الليبي، أن “أنقرة دخلت البلاد بمعدات وآليات وأسلحة ثقيلة التي تعززها باستمرار، وهو ما ينفي أي رغبة جادة لتنفيذ تركيا لاتفاق لجنة 5+5”.
وشدد على أن “أنقرة هدفت من دخول بلاده للسيطرة على الشمال الإفريقي من جهة، والبحر المتوسط وثرواته من جهة أخرى”.
وضع تفاوضي أفضل
ويرى الباحث السياسي المتخصص في الشأن التركي مصطفى صالح، أن “أهم أسباب اتجاه أنقرة نحو تمديد وجود قواتها في ليبيا هو محاولة الحصول على وضع تفاوضي أفضل للتأثير على مجريات الأوضاع الداخلية والخارجية ذات الصلة بالأزمة الليبية”.
وأضاف صالح في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “المستجدات التي شهدتها الأزمة الليبية وتحديدا فيما يتعلق بوقف إطلاق النار والتركيز على الجهود السياسية، من شأنها أن تعرقل تحركات تمديد قواتها في ليبيا”.
الضغط على الاتحاد الأوروبي
واعتبر الباحث في الشأن التركي أن قرار التمديد خطوة من جانب أنقرة للضغط على دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بعدما اتجهت القارة إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية عليها.
ولفت صالح إلى أن “تركيا اتخذت ليبيا نقطة انطلاق نحو التواجد في منطقة شرق المتوسط، ووظفت اتفاقياتها مع السراج الخاصة بالتعاون الأمني والبحري، لانتهاك المناطق الاقتصادية لدول المنطقة دون أي اعتبار لقواعد القانون الدولي”.
تجاوز الضغوط الداخلية
وأشار صالح أيضا إلى أهداف تركية أخرى وراء قرار التمديد، تتمثل في تخفيف حدة الضغوط الداخلية على نظام أردوغان.
ويواجه حزب العدالة والتنمية الحاكم ضغوطا سياسية وشعبية، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد، وبالتالي فإن تمديد “ثمن” بقاء القوات التركية في ليبيا، من شأنه أن يخفف من وطأة الضغوط الاقتصادية، بحسب صالح.
واختتم الباحث بأن “تركيا تشهد تراجعا كبيرا في نفوذها الإقليمي بصورة عامة، وفيما يتعلق بالأزمة الليبية على وجه التحديد”.
ولفت إلى أن الدول الأوروبية اتجهت نحو المشاركة بصورة مباشرة في حل الأزمة الليبية، سواء عبر تعزيز الجهود وتوحيد المواقف، أو من خلال التعاون مع دول جوار ليبيا باعتبارها المعنية أكثر بتطورات الأزمة.