بعدما عملت تركيا على إفراغ مهمة “صوفيا” الدولية في البحر المتوسط من مضمونها، شرعت في اتخاذ خطوات تجهض مهمة “إيريني” لمراقبة حظر السلاح على ليبيا، مما يمثل تحديا للمجتمع الدولي وإمعانا في التدخلات بالبلد الغارق في الفوضى منذ سنوات.
وسارعت تركيا، الاثنين، إلى استدعاء سفيري الاتحاد الأوروبي وإيطاليا والقائم بالأعمال الألماني، وسلمتهم مذكرة احتجاج على تفتيش سفينة تركية شرقي المتوسط، بحثا عن أسلحة متجهة للميليشيات الموالية لتركيا في غرب ليبيا.
وندد نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي بتفتيش الفرقاطة الألمانية “هامبورغ” للسفينة التركية، رغم أن ذلك يأتي في إطار عمل مهمة “إيريني”، معتبرا الأمر “تفتيشا غير قانوني”.
وأنزل جنود ألمان مسلحون على متن السفينة من مروحية، وفقما أظهرت مقاطع فيديو صورها الطاقم، قبل السيطرة على غرفة التحكم.
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان: “تم تفتيش جميع أفراد الطاقم، بمن فيهم القبطان، قسرا. وجمعوا كلهم في غرفة واحدة حيث تم احتجازهم”.
ووصف مراقبون في روما وبرلين خطوة الخارجية التركية بالعدائية، مؤكدين بأنها جاءت بمثابة رسالة تركية لرفض كل ما تم الاتفاق عليه بين قيادة “إيريني” وحكومة فايز السراج الليبية منذ أسبوع.
إيريني وريثة صوفيا
وكانت العملية إيريني” انطلقت في مايو الماضي، تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا عبر البحر، وتطبيقا لمخرجات مؤتمر برلين الذي عقد في مطلع العام الجاري.
ويتألف قوام القوة البحرية التي تنفذ العملية من الجيوش الأوروبية.
وحرص المسؤولون الأوروبيون على الموافقة على المهمة الجديدة قبل نهاية مارس الماضي، وهو التاريخ الذي ينتهي معه سريان العملية السابقة “صوفيا”.
وانطلقت عملية “صوفيا” العسكرية الأوروبية في أبريل 2015 بهدف قطع طرق تهريب اللاجئين في البحر المتوسط، بعد حوادث مأساوية تسببت في غرق مئات من المهاجرين غير الشرعيين، وكان من مهمتها أيضا البحث عن السفن المشبوهة وإعادة توجيهها إذا لزم الأمر.
لكن تركيا عملت على إحباط هذه المهمة، بعد تقارير تحدثت عن تدخلات من جانب أنقرة في تدريب خفر السواحل في غرب ليبيا، رغم أن ذلك كان جزءا من مهمة “صوفيا”، الأمر الذي أفضى إلى نهاية هذه المهمة.
إحباط جهود الأوروبيين
ويقول مراقبون إن قيادة العملية الجديدة “إيريني” عقدت سلسلة اجتماعات، شارك فيها الأدميرال فابيو أغوستيني قائد العملية، وسفير الاتحاد الأوروبي في طرابلس خوسيه أنطونيو ساباديل، مع كبار مسئولين حكومة السراج، في الفترة بين 16 و18 نوفمبر الجاري.
وذكرت وكالة “آكي” الإيطالية للأنباء أن أغوستيني قدم خلال اجتماعه بالسراج الإطار القانوني الذي تعمل من خلاله العملية البحرية وأبرز ما أنجزته، مؤكدا على حياديتها تجاه كافة الأطراف الليبية سواء في الغرب أو الشرق.
وأكد أن التعاون مع العملية هو السبيل الوحيد لوقف تدفق السلاح على الميليشيات والجماعات الإرهابية داخل ليبيا، بحكم أن “إيريني” هي الفاعل الدولي الوحيد الذي ينفذ الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.
وأوضح لحكومة السراج أن العملية تهدف إلى وقف جميع أنواع الإتجار غير المشروع بالأسلحة بصرف النظر عن الجناة، وهو ما سينعكس إيجابا على مسار الحوار السياسي بين الفرقاء الليبيين.
وطلب أغوستيني من حكومة السراج سرعة استئناف أنشطة التدريب لدعم خفر السواحل وقوات البحرية الليبية، بهدف إحلال الأمن في المياه قبالة سواحل غربي ليبيا، خصوصا بعدما شهدت العديد من التجاوزات.
وتأتي هذه المطالبات في ظل تمركز مهربي المخدرات وتجار البشر والسلاح بمدن الزاوية وصبراتة وطرابلس الواقعة كلها في الغرب الليبي، التي تخضع لسيطرة الميليشيات المرتبطة بالسراج.
تنبيه السراج وتحذير تركيا
وحسب رأي الباحث السياسي والحقوقي أحمد حمزة، فإن الهدف من اجتماع قيادة العملية الأوروبية مع مسؤولي حكومة السراج كان “تنبيه الحكومة ودفعها للتعاون مع القوة، وتحذير تركيا”.
ويضيف حمزة لموقع “سكاي نيوز عربية”: “طوال الفترة الماضية كانت كافة الانتهاكات التي ترصدها إيريني تحدث بين سواحل تركيا وغرب ليبيا، حتى طفح كيل المجتمع الدولي بعد أن فاحت رائحة الشبهات بين حكومة أنقرة وحكومة السراج”.
ويتابع: “(الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان في صدام حقيقي مع كافة الأطراف الأوروبية، حتى الدول التي تحالفت معه على حساب ليبيا وشعبها، بعد أن صار يمثل تهديدا مباشرا وخطر احقيقيا على أمن القارة الأوروبية”.
واستطرد حمزة: “أردوغان الذي شبه موقفه في الشرق الأوسط بالسلطان الغازي سليم الأول وهو يتفاخر، هو كذلك يرى نفسه سليمان القانوني في أوروبا، حتى صارت استخباراته تحرك أدواتها من جمعيات دينية في كافة دول أوروبا، أو من حركات يمينية متطرفة كالذئاب الرمادية (…)”.
أردوغان عازم على إجهاض العملية
وفي السياق ذاته، يقول الباحث السياسي حمد المالكي، إن أردوغان عازم على أن يجهض مهام العملية البحرية الأوروبية “إيريني”، كما أفشل سابقا العملية “صوفيا”، لكنه لم يستوعب أن “إيريني” التي تقودها اليونان حاليا، ليست كالعملية السابقة التي كانت بقيادة حليفته إيطاليا.
ويضيف المالكي لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “أردوغان يتعامل مع العملية إيريني على أنها تحركات عسكرية تستهدفه في شرق المتوسط، وليس عملية أوروبية معنية بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اتفاق برلين، الذي عقد بحضور أردوغان نفسه، علما أنه كان الرئيس الوحيد من بين الحاضرين بمؤتمر برلين الذي لم يرحب بما جاء ببنود الاتفاق”.
صدام جديد مع أوروبا
ويتابع المالكي: “سخّر أردوغان أدواته في غرب ليبيا من مليشيات وعصابات ومرتزقة سوريين وتركمان لنقل الفوضى من طرابلس ومصراتة إلى كامل ربوع ليبيا، ضاربا بعرض الحائط كل ما تم الاتفاق عليه بين الأطراف الدولية بخصوص إنهاء الحرب الليبية في مؤتمر برلين، واليوم هو يدخل في صدام جديد ضد أوروبا، لكن تلك المرة جاء الصدام بصبغة عسكرية”.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية محمد غزوان، أن حكومة الوفاق الموالية لتركيا وللتدخل الأجنبي في ليبيا “صارت في مأزق لا مفر منه”.
ويقول لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “رئيس حكومة طرابلس فايز السراج بات بين شقي الرحى، بين حليفه الأيديولوجي والعسكري الأول تركيا، وبين حليفه السياسي الأول إيطاليا”.
واستطرد: “لم تعد أمام السراج أي فرصة لمناورة الأوروبيين، بعد أن دخلت برلين على خط الأزمة مع تركيا، على خلفية تأكيد الجيش الألماني أن تركيا منعت قوات ألمانية تعمل ضمن مهمة عسكرية للاتحاد الأوروبي من تفتيش سفينة شحن تركية، يشتبه بأنها تنقل أسلحة إلى ليبيا”.