في يوم من يناير 2019، أجرى الرئيس الأميركي المنتخب، حاليا، جو بايدن، اتصالا مع عمدة مدينة لوس أنجلوس، إريك غارسيتي، وتحدث إليه بشأن فكرة الترشح الرئاسة، ولم يخف خشيته، وقتئذ، مما قد يلحق بعائلته من “هجوم”، من طرف الرئيس دونالد ترامب في حال أقدم على الخطوة.
وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن بايدن تحدث إلى صديقه الذي كان قد أعلن بشكل رسمي عدوله عن خوض الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في إطار الاستعداد لسباق الرئاسة في نوفمبر 2020.
وفي هذه المكالمة، قال بايدن إنه يجد نفسه مدفوعا إلى أن يترشح بـ”دافع أخلاقي” من أجل إزاحة الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، الذي شكل وصوله إلى البيت الأبيض منعطفا على مستوى السياسة الأميركية.
وقال بايدن، حينها، “أنا قلق بالفعل على روح هذا البلد”، في إشارة إلى ما وُصف بأجواء الانقسام المشحونة في الولايات المتحدة بعد وصول ترامب إلى السلطة في يناير 2017.
وبعد 22 شهرا من تلك المكالمة “المرتابة”، احتفل بايدن، يوم السبت، بنصره في انتخابات الرئاسة الأميركية، وقد أصبح ثالث مرشح في التاريخ الأميركي يزيحُ رئيسا قضى ولاية واحدة فقط في البيت الأبيض.
لكن حملة بايدن تبدُو مثيرة للانتباه، فهي ليست الأكثر إلهاما، بحسب “نيويورك تايمز”، كما أنها ليست الأكثر زخما وحماسا على غرار تجربة الرئيس الديمقراطي السابق، باراك أوباما.
ويضيفُ المصدر أن حملة بادين لم تكن حملة شباب كما حصل في حالة أوباما، ولا هي شبيهة بحملة دونالد ترامب التي ركزت بشكل محوري على شخصية الرجل الذي وعد بالتركيز على أميركا أولا، من خلال شعار “لنجعلها عظمى مرة أخرى”.
ولم ترد أي تقارير عن أنصار يرسمون جو بايدن في وشوم، ولا عن أشخاص يقيمون استعراضات من أجل دعم جو بايدن، وتبعا لذلك، فإن جو بايدن خاض حملته بشكل جدي، ولم يخض السباق بكثير من الصخب والوعود.
حملة هادئة
وتقول الصحيفة الأميركية إن حملة بايدن لم تكن نموذجا في الإبداع، لكنه تستحق أن تكون موضوعا لدراسة من حيث الانضباط وما رسمته من حدود وهامش للتحرك.
وأوردت أن الناخبين قاموا بما طلبه بادين بالضبط، فلم يزيدوا عن ذلك بكثير، وهو رفض دونالد ترامب، فكانت النتيجة أن تفوق المرشح الديمقراطي بهامش من 4 ملايين صوت إضافي.
وكشفت الصحيفة كيف خاض المرشح الأميركي حملته، استنادا إلى العشرات من مستشاريه وأنصاره وأصدقائه ومسؤولين آخرين، فظهر أن بايدن اعتمد على حدسه السياسي ونظرته إلى العالم.
في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، مثلا، قاوم بايدن الضغوط التي مورست عليه حتى يتجه نحو اليسار، وكان مدركا بأن الحزب سيراهنُ على ما لديه من جانب “براغماتي” حتى ييتمكن من إلحاق الهزيمة بدونالد ترامب.
أما في الانتخابات الرئاسية أمام خصمه الجمهوري، فركز بايدن بشكل كبير على ما اعتبره قصورا وإساءة إدارة من ترامب في تدبير وباء كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 243 ألف شخص في الولايات المتحدة.
في المقابل، لم يشر بايدن إلى أمور كثيرة أخرى، فلم ير حاجة إلى أن يثيرها في نقاش الحملة الانتخابية، بينما كان ترامب ينتقدُ خصمه في كل شيء تقريبا.
وفيما نصح بعض الديمقراطيين بايدن بأن يخوض الحملة الانتخابية على نطاق واسع، فضل المرشح الديمقراطي أن يركز بشكل كبير على ما يعرفُ بولايات البحيرات العظمى في الشمال الأميركي، مثل ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا وهي ولايات كسبها فيما بعد وأحدثت فارقا مهما في أصوات المجمع الانتخابي.
وأمعن بايدن في التحذير من ترامب ووجوده في المكتب البيضاوي، لاسيما بعد سنة صعبة في الولايات المتحدة تراوحت بين ظروف الجائحة وأحداث عرقية اتسمت بالفوضى العارمة.
وتقول أنتينا دون، وهي من أقرب مستشاري بايدن، إن حملة المرشح الديمقراطي تشبه إلى حد كبير ما يتحلى به من صرامة وما يسلكه في الأمور من استراتيجيات.
وتضيف أنها شاركت في حملته، لكنها تنظر إلى بايدن كأقل شخص اعتمدت حملته على الاستشارات على مر التاريخ المعاصر.
وفي البداية، شك بعض الديمقراطيين أنفسهم في خطاب بايدن الهادئ، واستبعدوا أن يكون ناجعا ومقنعا مقابل تحركات دونالد ترامب الحاشدة، لكن المرشح الديمقراطي ظل متشبثا بمقاربته التقليدية والرصينة.
لكن الأمور تغيرت بتفشي وباء كوفيد-19، فترامب الذي كان أمام شعب أميركي ينعم باقتصاد مزدهر، وجد نفسه فجأة أمام طوارئ الإغلاق وتزايد الوفيات وتفاقم البطالة، وهذا الأمر منح ورقة رابحة لبايدن أمام الناخبين.
أما على المستوى الحزبي، فحرص بايدن على احتواء منافسيه الديمقراطيين خلال الانتخابات التمهيدية، وهذا الأمر لم يحصل في حالة هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة في 2016 التي انتقدت كثيرا بسبب طريقة فوزها على بيرني ساندرز.
وبعد أيام من إعلان السيناتور إليزابيث وارن، في مارس الماضي، عن إنهاء حملة ترشحها في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، اتصل بها بايدن وأخبرها بأنه قرر أن يتبنى مقترحها بشأن إصلاح إجراءات إفلاس الشركات، وهذا الأمر يكشف ميل المرشح الديمقراطي إلى الاحتواء والتقارب عوض تأجيج الخصومة.