فرضت الظروف الاستثنائية غير المسبوقة التي نجمت عن جائحة كورونا، تحديات كبرى أمام منظومات الصحة والتعليم وغيرها من القطاعات الحيوية في معظم دول العالم، حيث وجد العالم نفسه في مواجهة كائن مجهول لا يرى بالعين المجردة يهدد حياة الإنسان وحياة أسرته، وينتقل من مكان إلى آخر بسرعة كبيرة، مما وضع الدول أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي والإغلاق الكامل للحدود رغم ما قد ينشأ عنه من نقص في بعض المواد والسلع، أو الاستمرار في الحياة بشكلها الطبيعي دون النظر لحجم الإصابات والعدوى بالمرض.
وكانت المملكة العربية السعودية في طليعة الدول التي سارعت باتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية لمواجهة هذه الجائحة، وسبقت في هذا المضمار العديد من دول العالم المتقدم، مما كان له أثر كبير في الحد من أعداد الإصابات والوفيات في المملكة.
وقد واجهت منظومة التعليم في المملكة بسبب هذه الظروف الطارئة تحديًا كبيرًا، وكان عليها التأقلم سريعًا مع معطيات هذا الظرف الراهن واستكمال العملية التعليمية بطريقة التعليم عن بعد، الأمر الذي نفذته المؤسسات التعليمية في المملكة بنجاح واقتدار اعتمادًا على ما تملكه من مقومات وإمكانيات، وما وفرته حكومة المملكة من دعم سخي لهذا القطاع خلال هذه الأزمة وما قبلها، حيث يحظى قطاع التعليم باهتمام ورعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله –
ولفتت هذه الأزمة الأنظار بشدة إلى أهمية منظومات التعليم الإلكتروني التي أنقذت الملايين من الطلاب والطالبات حول العالم ومكنتهم من استكمال عامهم الدراسي في ظل حالة الإغلاق الكامل التي وصلت في بعض الأحيان إلى فرض حالة حظر التجول الكامل في العديد من دول العالم.
تجويد الناتج التعليمي في التعليم عن بعد، كان منذ فترة طويلة هدفًا لوزارة التعليم لكنه أصبح الآن أكثر إلحاحًا بعد بروز أهميته خلال هذه الجائحة، حيث ظهرت قوة ومتانة منظومة التعليم الإلكتروني بالمملكة والتي استطاعت التغلب على كافة الصعوبات واستكمال العام الدراسي بنجاح، حيث كانت آراء العاملين والمسؤولين عن العملية التعليمية تتباين بخصوص ملف التعليم الإلكتروني وتختلف في تحديد درجات أهميته وأولويته في خطط العملية التعليمية.
حيث تؤكد الأستاذة شعاع بنت خليفة الخليفة مساعد مدير التعليم لشؤون تعليم البنات بتعليم عنيزة، على أن نجاح التعليم عن بعد مرهون بتكاتف الجميع في العطاء من قبل الكوادر التعليمية بجميع فئاتها، وكذلك جدية الأسرة في التعاطي مع أبنائها لخلق ثقافة جديدة تستند على الالتزام الواعي والإدراك المستنير بأهمية هذه المرحلة التي تمر بها منظومة التعليم والتعلم، منوهة إلى أن الأسرة تعتبر مفتاح نجاح أي مبادرة أو فكرة أو قرار تعليمي، وقد تضاعفت مسؤولية الأسرة في التعليم عن بعد في هذه المرحلة الطارئة، كونها الجهة الإشرافية المباشرة على الطالب أثناء تعلمه، حيث إنه أمانة ومسؤولية، والواجب تجاهه وطنياً وتربوياً وتعليمياً.
ووجهت “الخليفة” تحية تقدير لوزارة التعليم لتقديمها تسهيلات تطبيق المبادرة، كتوفير أجهزة لوحية للطلاب والطالبات ضمن مبادرة مؤسسة تكافل الخيرية، وتأهيل المشرفين والقادة المعلمين والطلبة، وتزويدهم بالبرامج التي تعزز التعليم عن بعد.
ومن جانبها، ترى رئيسة الإشراف التربوي الأستاذة لولوة بنت إبراهيم العبد العالي، أن التعليم عن بعد أصبح قرارًا حتميًا لا نملك خيار التراجع عنه ولا تأجيله، بعد أن فرضته الأحداث المستجدة، حيث كانت الخطوات سابقًا في هذا الاتجاه تسير ببطء ويتوقف القرار أمام أي عائق يصادفه رغم أنه من أهداف رؤية 2030، لافتة إلى أن الوضع الآن أصبح يزيح ما أمامه أياً كان، معالجة وتصحيحًا وصولاً لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للتعليم وأهداف المرحلة الحالية ومتطلباتها لذا فإن متطلبات الجودة عالية ومتنوعة ويلزم أن يتعدد فيها المشاركين من داخل المدرسة والمجتمع الأسري كماً ونوعاً.
وتؤكد “العبد العالي” على أنه يمكن المزاوجة بين الأنشطة الإلكترونية الرقمية وغير الإلكترونية وإتاحة مساحة للتواصل الاجتماعي مع تطبيق الإجراءات الاحترازية للمشاركين مما يزيد من فعالية هذا النوع من التعليم ، وكذلك إيجاد بيئات تعليمية في المنزل مقننة تنشأ بالمفاهمة بين المدرسة والمنزل، وتيسير مهام الآباء العاملين لمتابعة أبنائهم في التعليم عن بعد بجودة.
ويعتبر المعلم علي حمود الطويرب، أن التوجه لتطوير التعليم عن بعد هو فرصة لفتح آفاق واسعة للتعلم، تعتمد على نقل خبرات وممارسات تعليمية من موضعها في حرم مؤسسة تعليمية ما، إلى مصادر متفرقة بإشراف مباشر من المؤسسة التعليمية.
في حين يرى معلم اللغة العربية الأستاذ هاني محمد أبا الخيل أن التعليم عن بعد من الوسائل التعليمية الحديثة التي تعتمد على اختلاف المكان، وبُعد المسافة بين المعلم والطالب، ويمتاز بأنه يناسب كافة الطلاب بجميع مراحلهم التعليمية، وكذلك يفعل دور التقنية في التعليم بما يلائم طلاب اليوم ومستوى تفكيرهم واهتمامهم، ويوفر الجهد والوقت، ويساعد على تحدّي الظروف الصعبة التي تواجه الطالب بشكل خاص والمجتمع بشكل عام والظروف المحيطة به مثل ما نعايشه الآن في ظل جائحة كورونا فالتعليم عن بعد هو الخيار الأمثل في هذه الظروف.
ومن جهتها، رأت مشرفة العلوم الطبيعية الأستاذة ليلى العميريني، أن ظروف جائحة كورونا قد أثرت على مستويات التحصيل المختلفة لدى الطلاب والطالبات، حيث إن المعلومات التي ترسبت لديهن كافية لأساس معرفي ومعلوماتي، ولكن الواقع أن هناك فاقد تعليمي يجب أن يخضع لإعادة تدريس بعد إجراء التشخيص المناسب له، لذا فإنها تؤكد على كل معلمة بأهمية التركيز على جميع المهارات الأساسية وما فقد منها وإعادة تدريسها إذا لزم الأمر، وذلك لحل المشكلات التي قد تواجه تحصيل الطلاب والطالبات وتفوقهم العلمي.
وعن التحديات التي تواجه التعليم الإلكتروني، تقول الأستاذة وجدان العبيكي معلمة صفوف أولية ماجستير طرق تدريس، أنه من بين التحديات التي قد تواجه التعليم عن بعد هو تحول المسؤولية للمتعلم وولي أمره والذي قد تنخفض مستويات الفائدة منه بسبب عدم جدية بعض الطلاب وتركيزهم على طريقة التحضير وتوزيع الدرجات، بدون الحرص على تحقيق أهداف التعليم، وبدون البحث عن فرص التعليم ، وعدم المشاركة في المناقشات داخل الفصول الافتراضية لوجود حجة مبررة ومتاحة مثل ضعف خبرته التقنية أو مشاكل الاتصال.
وتضيف “العبيكي” أنه قد يكون الإنصاف هو أكبر عقبة تواجه التعليم عن بعد فالتعليم عن بعد لا ينطوي على التحديات التقنية فحسب، بل التحديات الاجتماعية والمادية أيضًا فلا يزال هناك تفاوت كبير من حيث الدخل والمستوى التعليمي للوالدين، حيث تتعامل الوزارة مع هذه التحديات بكامل طاقتها وواجبنا كمؤسسات تعليمية “معلمين، متعلمين، أولياء أمور” أن نكافح معاً ونحاول تجاوز التحديات ليس بما يضمن عدم توقف العملية التعليمية بل بما يضمن نجاحها بإذن الله.