مكة المكرمة ـ ياسر الجعيد
أدى المصلون في الحرم المكي الشريف صباح اليوم الأحد صلاة عيد الفطر المبارك، بعد موافقة خادم الحرمين الشريفين بإقامة صلاة العيد، مع استمرار تعليق الحضور إلى الحرمين الشريفين .
أمَّ المصلين معالي إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد، وسط إجراءات احترازية مكثفة، قامت بها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي .
واستهل ابن حميد بحمد الله – عز وجل – ومستفتحًا بالآية الكريمة ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ﱠ)
وقال في خطبته : معاشر المسلمين عيدكم مبارك ، وتقبل الله منا ومنكم الصيام ، والقيام ، وسائر الطاعات ، هذا يوم من أيام الله المباركة ، إنه عيدنا أهل الإسلام، وسمي عيدا لكثرة عوائد الله تعالى على عباده ، بالبر ، والاحسان ، والإنعام .
وأضاف: – عباد الله – والعالم تجتاحه هذه الجائحة التي لا تعرف الحدود ، ولا تستأذن في الدخول ، ولا تحدها سلطة ، ولا يمنعها مانع، جائحة أظهرت ضعف الإنسان ، وقلة حيلته ، وقصر نظره ، فلا الثراء منها يمنع ، ولا الفقر يوقع فيها، جيش أبرهة هلك بالأبابيل ، والنمرود هلك ببعوضة ، وهذا المخلوق الضعيف أمات مئات المئات ، وحبس الناس ، وقطع الاتصالات، أغلقت الحدود ، وأعلنت الطوارئ ، وتوقفت الرحلات، كم يجثو على أرض المطارات من الطائرات ، وكم يقف في المحطات من قطارات، مخلوق صغير لم تعجزه الدول الكبرى ، ولم توقفه الأمم العظمى ، يرهبهم العطاس ، ويبعثرهم السعال ، كل يبحث عن النجاة ، مخلوق صغير لا يرى بالعين المجردة ، جاء ليوقظ من غفلة ، وليكشف العجز ، ويبرز الضعف ، وليدل على الواحد القهار القادر الجبار ، ذي العزة والجلال لا إله إلا هو .
مضيفا: ومن دروس هذه الجائحة العجيبة : ( صلوا في رحالكم ) ، ( صلوا في بيوتكم ) ، إن الذي أمر بقوله : حي على الصلاة ، حي على الفلاح في الأحوال المعتادة ، هو الذي أمر بقوله : ( صلوا في بيوتكم ) ، ( صلوا في رحالكم ) في أحوال النوازل، (صلوا في رحالكم ) رمز عظيم لإبراز مكانة الإنسان ، وتجسيد حقوق الإنسان في هذا الدين ، إنه إيقاف لصلاة الجمعة والجماعة ، والتي هي من أعظم المطلوبات والقربات ، كل ذلك من أجل الحفاظ على صحة الإنسان، إنه من أبرز تجليات الرحمة الربانية بهذا الإنسان .
وتحدث قائلاً : وتأتي هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية لتصنع قرارات تاريخية ، وتضع رؤية ثاقبة ، تضع صحة من يعيش على هذه الأرض الطاهرة من مواطن ومقيم في ميزان ديني ، وبعد إنساني ، فجندت كل القطاعات ، واستنفرت كل الطاقات على مدار الساعة – مستعينة بالله ثم برجالها وإمكاناتها – لمواجهة كل الاحتمالات ، فلقد منح الله – بمنه وفضله – هذه الدولة الحكمة وحسن التصرف ، فجندت كل طرائق الوقاية ، ووفرت كل سبل العلاج ، وهيأت أسباب الراحة ، والطمأنينة ، والعيش الكريم ، في كل الاتجاهات ، وللجميع بدون استثناء .
وقال معاليه في خطبته الثانية: عجيب أمر البشر ، من دروس هذا البلاء أن اصبح أقصى أماني الناس أن يعودوا إلى حياتهم السابقة ، التي كانوا غافلين عن جمالها ، ووفائها ، أدركوا معنى الحديث : ” من بات آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها “، يقول الحافظ بن رجب رحمه الله : ” من لطائف اقتران الفرج بالكرب ، واليسر بالعسر : أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين تعلق قلبه بالله وحده ، وهذا هو حقيقة التوكل على الله .
واختتم بقوله : العيد مناسبة كريمة لتصافي القلوب ، ومصالحة النفوس ، مناسبة لغسل أدران الحقد والحسد ، وإزالة أسباب العداوة والبغضاء، وإن في مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات التي ينشئها الأقارب والأصدقاء وذوو الاهتمام والمتابعات في هذه المواقع طرائقَ حسنة ، والتمسوا بهجة العيد في رضا ربكم ، والإقلاع عن ذنبكم ، ومن مظاهر الإحسان بعد رمضان استدامة العبد على نهج الطاعة والاستقامة وإتباع الحسنة الحسنة ، وقد ندبكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم لأن تتبعوا رمضان بست من شوال فمن فعل فكأنما صام الدهر كله، تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الطاعات والأعمال الصالحات .