المجموعة القصصية الأولى لكاتب القصة السعودي حسين بن صبح، الصادرة عن دار تشكيل للنشر والتوزيع في العام 2019م، جاءت القصص في خمس وستون صفحة، من القطع المتوسط، حوت بين دفتي الغلاف – الذي رُسم عليه لوحة تصوّر حيًا شعبيًا داخل مدينة – خمس وثلاثون قصة قصيرة، وقصيرة جدًا.
عنوان المجموعة، جاء كقصة قصيرة في بداية المجموعة، قَصَد الكاتب “بالمدينة التي ليس عليها صلاة” مدينة “دبي” يقول:
“عندما يصلّون تفاجئهم –دبي- بقولها: أنا مدينة كامرأة ليس عليها صلاة.!”
وبغضّ النظر عن كون النص، الذي حمل عنوان المجموعة، عبارة عن وصف ذاتي تجاه مدينة، خارج نطاق وطن كاتب القصة، إلا أنها حملت الكثير من الشجن، والحب العميق لتلك المدينة.
وكأنما كان الكاتب فلاحٌ ينقر بفأسه تضاريس المدينة، باحثًا عن سرّ جمالها، ومبررًا معقولًا لعشقه الشخصي لها.
استعمل حسين في هذا النص الضمير الأول – ضمير المتكلم-، مما سمح له ببث الطاقة الشعورية الكاملة، فظهرت قسمات المدينة، في ثنايا الجُمل، والتي شبهها بالمرأة، مرارًا في النص.
النص كلحظة صدق، أشبه بالمنولوج الداخلي، وإن كان يتحدث السارد فيه إلى المتلقي، مستعملًا الحجج المنطقية، التي تهدف إلى تعاطف المتلقي مع المدينة المقصودة.
المتلقي يشعر بدماء الناس ذوو الأعراق المختلفة في دبي، التي نقلها السارد ببراعة، رغم افتقاد النص للشخوص، وتَوَارٍ عنصر الزمان.
قصص المجموعة بعد ذلك، جاءت في أغلبها قصص اجتماعية، خالية من أسماء الشخصيات في معظمها، ومن البعد التكويني الخَلقي كذلك لتلك الشخوص، وكأن النصوص تتحسس عمدًا تلك الزوايا الضيقة التي لا نشعر بها، رغم أننا نعيشها بشكل يومي، وبطريقة عشوائي، تمتصّها كالإسفنج وتعيدها لنا بضخامة غير متوقعة، لتضرب بها في أعماق القلوب، كالبذور المُقدّسة، لتنبت لاحقًا كشجيرات صغيرة مؤرقة لإنسانيتنا، التي تتأكل مع تسارع الحياة.
” الصديق ميم” و “سيطرة” و “شك” “لم يعد أحد يصفعنا” ” صفعة أنثى” “لا الناهية” “ما يشبه الندم” “أيام لن تعود” ” المقهى القديم” قصصٌ يجمعها قاسمٌ مشترك: أنها جاءت كحرث في الذاكرة، حرث بأسنانٍ حديدة.
فرغم غزارة الدماء الملتهبة، الشخصيات تتحدث عن شيء ما حدث في الماضي، تحاول توضؤه؛ لطهارة تلجأ إليها! وكأنما تحاول انتزاع بعض صفحات الماضي، هربًا من حرائق ماتزال مشتعلة في الذاكرة.
التيمة الثانية في المجموعة القصصية بعد تيمة “الذاكرة” تيمة “الخيبة”.
“الحرب” “موقف” فتاه من جسد الثقافة” “ورقة قديمة” الخاتم” “الرجل الذي تنهكه النهايات” “سقوط” “بياض” “بلا جناح” ” شهامة” “فقد”
هذه القصص تنتمي لحقل الخيبة، ولا شيء سوى الخيبة! هي عبارة عن “تأريخ” لبعض الخيبات، التي غدت كالجذور المتأصلة، وإن كانت غير ظاهرة.
ذلك النوع من القصص، والذي يحكي خيبات تعيش في الظلام، تحتاج إلى التقاطة بارعة من السارد، وهذا ما أجاده حسين بحرفية في مجموعته.
الصراع والحبكة في هذا الحقل، كان ضمن المدرسة الواقعية، حاول فيه السارد أن يكون نمطيًا لإيصال هدفه، للقارئ دون تعقيد، أو غموض، فظهرت الشخصيات في جُلّ القصص مُسالمة، بدلًا من الصدامات العنيفة، في تفاعلها، وسلوكها الخارجي، إلا أن ذلك السلام الشكلي، في تفاعل الشخصيات فيما بينها، ينتهي إلى نتائج سلبية، وتجارب فاشلة، في نهاية الأمر.
بعض القصص الأخرى في المجموعة أتت كالتجارب الإنسانية، التي تحاول التقريب بين وجهات النظر الإنسانية، مثل ” لمسة” “مقهى كوستا”.
وبعض القصص أتت بتشكيل بصري، غير مألوف، فكانت أشبه بقصيدة النثر، في شكلها ومضمونها، مثل: “عتاب” “لعنه”.
مجموعة ” مدينة ليس عليها صلاة” وإن كانت التجربة الأولى للكاتب إلا أني أراها، بدت كمن ينظر لشرفة القصة القصيرة، والقصيرة جدًا من الداخل، فكلماتها مُتسلقة إلى الأعلى، أعلى سُلّم المُتعة، رغم ازدحام الحياة، تحسسك بسعادة مبهمة، لأنك بكل بساطة، تقرأ شيئاً منك في داخلها.
سلطان عاطف
قاص وناقد، عضو نادي جدة الأدبي
جوال 0569581305
*نماذج من قصص حسين بن صبح الغامدي:
*سقوط
كل محاولاتي في التسلق فشلت، أتهيأ وأذهب للمسؤول كما خططت سلفًا، و أبدأ راسمًا ابتسامة معدّة مسبقًا، ثم أومئ برأسي موافقاً ومؤيدًا لما يقول.. وأزيد من إصغائي وصبري.. فجأة وبدون شعور أجدني أتحوّل إلى طبيعتي وفطرتي، فأبين له وأناقشه بمنتهى الصدق، فنختلف وترتفع أصواتنا.. وعندما أختلي بنفسي ألومها وأتساءل متى أصبحُ ذئباً.! وتفكيري في (إن لم تكن ذئبًا، أكلتك الذئاب). ثمّ آخذُ مكانًا منزويًا، وأتنفس بعمق، وأبدأ في عد الذئاب التي أكلتني..
*عاطل عن العمل
كنت أعمل في جريدة، وبعد أن انخفضت مبيعاتها.. سرّحت عددًا كبيرا من موظفيها وكنت أحدهم.. كل مرة أتقدم لأبحث عن وظيفة يسألوني؛ ماذا تجيد؟ قلت: الكتابة، فأنا أمارسها منذ ربع قرن. يجيبون؛ سوف نتّصل عليك.! ولا يتم هذا.
لديّ صديق يكتب قصيدة النثر.. مؤخراً تدربت على كتابتها.. ليس لأصبح شاعرا.. بل لأطبع وأبيع. قدّمتُ نماذجاً مما كتبت إلى صديقي.. قال: ركيكة.!
ثم أومأ برأسه وأردف: لن يعرف أحد الفرق.
وفي حفل، قدموني على أنني شاعر.. صفّق الحضور
ولكن.. خرجوا دون أن يشتروا ديواني.