أكد صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، أمير منطقة القصيم، أن التأصيل الأبرز لقيم التعايش في بلادنا الغالية هو اجتماع المسلمين في بيت الله الحرام، وفي مسجد رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، من جميع الجنسيات والمذاهب، وهو مثال قريب وليس ببعيد يراهم العالم وكلهم يصلون في مكان واحد، وخلف إمام واحد، مشيرًا إلى أن هذا هو قمة التعايش بعيداً عن العنصرية والفئوية، والمذهبية، هذا التعايش الكبير الذي يعطي صورة ناصعة البياض لهذا الإسلام، ورسالة الإسلام ووحدة المسلمين.
جاء ذلك خلال رعاية سموه لمؤتمر «جهود المملكة في ترسيخ قيم الاعتدال والتعايش الحضاري: المفاهيم والممارسات»، صباح اليوم الثلاثاء الموافق 24/6/1441هـ، والذي تنظمه جامعة القصيم، مُمثلة بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، بحضور معالي الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن حمد الداود، مدير الجامعة، والأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي المستشار بالديوان الملكي، ومعالي الدكتور أسامة السيد الأزهري، مستشار رئيس جمهورية مصر العربية الديني، والدكتور عبدالله بن محمد الفوزان، أمين عام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وراعي المؤتمر فضيلة الشيخ منصور بن علي القرعاوي، ووكلاء الجامعة وعمداء الكليات، وعدد من المتحدثين، من داخل المملكة وخارجها.
وأشار سمو أمير القصيم خلال كلمته، إلى أن تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحاب الأديان الأخرى وكل من هو ليس بمسلم بالحسنى، وسماحته معهم كان لها أبلغ الأثر، وهي أسوة حسنة يقتدي بها الأخرين، مؤكدًا أن مظاهر التعايش بالمملكة العربية السعودية، تتجلى في الاستقرار والتوازن طوال السنوات الماضية مع الأصدقاء في دول العالم، أفرادًا ومؤسسات، وحكومات، وكذلك انفتاح المملكة على جميع دول العالم الباحثة عن الخير، وعن مصالح شعوبها دون النظر لعرق أو دين، مبينًا أن المملكة بها تنوع كبير من حيث القبائل والخلفيات الاجتماعية، والمذهبية، والثقافية، والمذاهب الفقهية، وغير الفقهية، والتيارات، والعادات، وكلهم سواء في المواطنة، وفي الحقوق والواجبات.
وبين سموه، أن اعتدال المملكة جعلها تواجه جميع المتطرفين والغلاة، والإرهابين، والمنحلين سلوكيًا وفكريًا، حيث وضعت الأنظمة والقواعد التي تكفل الاعتدال وتنشره بين الناس، في مناهج التعليم، وفي حياة الناس العامة، وجهودها العلمية المتواصلة، إضافة إلى تأسيس مركز الملك عبدالله الدولي، ومركز حوار الحضارات في جامعة الإمام، ومركز الحوار الوطني، ومعهد الأمير خالد الفيصل للاعتدال، لافتًا إلى أن حفاظ المملكة على منهج دعم المراكز الإسلامية في الدول الأخرى، واستمرار الدعم الكبير لهذه المراكز هي قمة الاعتدال ونشر الدعوة الإسلامية.
وأضاف، أن الحج والعمرة هي من أبرز صور قيم الاعتدال لما فيها من الألفة والمحبة، والأمن والأمان بين المسلمين، إضافة إلى سعي المملكة في ترسيخ قيم الاعتدال والتعايش الحضاري من خلال عقد عدد من المؤتمرات واللقاءات وورش العمل في هذا المجال، وبذلها للكثير من الجهود التي تدعم مثل هذا، ومنها تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والتي تشمل خدماته جميع دول العالم المحتاجة والمتضررة، سائلاً الله أن يديم المحبة بين المسلمين، وأن يوفق المشاركين في هذا المؤتمر إلى ما فيه الخير والسداد، وكل من ساهم في إنجاح هذا المؤتمر.
ويهدف المؤتمر، الذي تستمر فعالياته على مدى يومين، إلى رصد الجهود السعودية المتعلقة بترسيخ قيم الاعتدال والتعايش الحضاري على جميع المستويات، وبيان أثر الخطاب الشرعي السعودي في نشر مفاهيم التعايش الحضاري، كما يهدف إلى التأصيل الشرعي لقيم التواصل الإنساني ومعالجة إشكالاته، وإبراز دور المؤسسات الشرعية والثقافية الحكومية وغير الحكومية في تجسير العلاقة مع الأخر، والتعريف بالجهود الدبلوماسية السعودية وكذلك المؤسسات الإغاثية، في تعميق معاني التواصل المشترك واستلهام التجارب السعودية الرائدة على مدى السنوات والعقود الماضية.
من جهته، تحدث معالي مدير جامعة القصيم، المشرف العام على المؤتمر، عن عزم وطننا المملكة العربية السعودية على السير بخطى ثابتة – بحمد الله تعالى – نحو تحقيق خُطَطِه وأهدافه بنجاحات متميزة، في ظل واقع عالمي يموج بالمشاكل وتتجاذبه الاستقطابات والتحولات، مستصحباً في ذلك دستوره القائم على الكتاب والسنة، ووفق رؤية استراتيجية شاملة تقوم على مبدأ التكامل في جميع الأصعدة، منوهًا إلى أن رؤية 2030 تمثل خارطة طريق لتنمية مستدامة نحو وطن طموح، واقتصاد مزدهر، ومجتمع حيوي، يقوم على الإنسان السعودي الذي هو عمادها وجوهرها.
وأشار “الداود” إلى كلمةٌ لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله، في افتتاحية هذه الرؤية الشاملة، والتي قال فيها: “هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك”، تلتها كلمةٌ لمهندس الرؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ووزير الدفاع، يحفظه الله، قال فيها: “رؤيتنا لبلادنا التي نريدها: دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام، ومنهجها الوسطية، تتقبل الأخر”.
وأوضح مدير جامعة القصيم أن هذا المؤتمر الذي تنظمه جامعتكم جامعة القصيم، ممثلة بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، يأتي انطلاقاً من هذه الرؤية الفريدة، وتأسيساً على الجهود الكبيرة للمملكة في نشر المفاهيم الصحيحة للإسلام، وليلقي أضواء علمية على تلك الجهود في مجال التواصل الإنساني القائم على الاعتدال والوسطية، والذي تقوم به وترسخه أجهزة الدولة ومؤسساتها، وفق مبدأ إسلامي ثابت، حيث تقيم المملكة علاقاتها مع الأخرين – على اختلاف الأمم وتنوع البيئات والثقافات والمجالات- على مبدأ شرعي عبّر عنه القرآن الكريم بالتعارف في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُم شُعُوبَاً وَقَبَائلَ لِتَعَارَفُوا}؛ حيث نجد أن التعايش والتواصل الإنسانيين من مقتضيات التعارف المستند إلى العدل والاحترام وتحقيق المصالح الإنسانية.
وأكد “الداود” أن جهود المملكة العربية السعودية في هذا المجال الحيوي من حيث المفاهيم والمواقف والتطبيقات، ممتدة وواسعة وشاملة، لذا جاء هذا المؤتمر ليناقش عددًا من المحاور، تضمنت التأصيل الشرعي لقيم التواصل الإنساني ومعالجة إشكالياته، والخطاب الشرعي السعودي وأثره في نشر مفاهيم التواصل، ودور المؤسسات الشرعية والثقافية الحكومية وغير الحكومية في تجسير العلاقة مع الأخر، والجهود الدبلوماسية في تعميق معاني التواصل المشترك، ودور المؤسسات الإغاثية، بالإضافة إلى تجارب شخصية رائدة.
وتقدم مدير الجامعة بالشكر والامتنان لمقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، على ما تلقاه الجامعة من دعم لا محدود، ولسمو أمير القصيم على تشريفه وتشجيعه لمناشط الجامعة المختلفة، وكذلك الشكر موصول للزملاء القائمين على الإعداد والتنظيم لهذا المؤتمر وخص في هذا اللجنة التنظيمية برئاسة سعادة الدكتور خالد بن باني الحربي وكيل الجامعة للتخطيط والتطوير والجودة، وللزملاء في اللجنة العلمية برئاسة الزميل فضيلة عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية الدكتور خالد بن عبدالعزيز أبا الخيل، وجميع الزملاء في الإدارات المختلفة.
بعد ذلك، تحدث رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر الأستاذ الدكتور خالد باني الحربي، وكيل الجامعة للتخطيط والتطوير والجودة، عن الدول التي تسطر تاريخها بما تقدمه من قيم الخير لهذا العالم، حيث أرست المملكة العربية السعودية ولله الحمد قواعد متينه منذ تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، حيث لازمت المملكة الإسلام منهجا وممارسة بل سياسة وتربية ودأبت بهمة قاداتها حتى عهد راعي نهضتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين سلمهما الله، وهي تؤسس لمبادئ التفاهم والتعارف الحضاري بمفهومه الشمولي، في كل مفاصل الحياة إنسانًا وكيانًا، مستمدة كل ذلك من المنهج الشرعي والثقافي لها، والذي يعبر تعبيرا بينا وصادقًا عن واقع المملكة العربية السعودية الذي نعيشه هذا اليوم، مشيرًا إلى أن جامعة القصيم قد أولت أهمية بالغة لهذا الجانب استشعارا من دورها الاستراتيجي الذي يجسد تطلعات مملكتنا الغالية، وتجسيدا لهذا الدور فقد تبنت الجامعة عددًا من المناشط الأكاديمية ومن أهمها؛ إقامة هذا اللقاء العلمي النوعي بطبيعته والذي جاء ليسلط الضوء على بعض من جهود المملكة الكثيرة والمتنوعة.
وأضاف “الحربي” أن اللجنة العلمية بقيادة الدكتور خالد بن عبدالعزيز أبا الخيل عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالجامعة، قد استقبلت العديد من الملخصات والأفكار البحثية منذ إعلان تنظيم المؤتمر، وقد أسفر هذا العمل عن مشاركة أكثر من 9 دول بقرابة 30 باحثًا مشاركًا بعدد من الأعمال البحثية النوعية لتغطية محاور وأهداف المؤتمر، وقد حظينا بتوفيق الله بهذا الملتقى بشريك للنجاح متمثل بالشريك الاستراتيجي سعادة الشيخ منصور بن علي القرعاوي، فله منا من الشكر أوفره والثناء أعظمه، ومن التقدير أكثره على ما عودنا عليه من تعاون بناء مثمر ونتطلع إلى أن تستمر هذه الشراكة النوعية في مناسبات عدة.
وقدم رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر، الشكر للجهات المشاركة وهي: مركز الحرب الفكرية بوزارة الدفاع، ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، والإدارة العامة لمكافحة التطرف برئاسة أمن الدولة، ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، كما ثمن للجهات المتعاونة ذات العلاقة على ما قدمت لإنجاح هذا المؤتمر.
ومن ثم ألقى، معالي الدكتور أسامة السيد الأزهري، مستشار رئيس جمهورية مصر العربية الديني، كلمة نيابة عن المشاركين بالمؤتمر تحدث فيها عن جهود المملكة الكبيرة في مجال الاعتدال والتعايش، ومنها رابطة العالم الإسلامي التي أنشئت قبل ستين سنة، واستمرت على مدى عقود حاضنة لعلماء المسلمين من المشرق والمغرب للتدارس في القضايا الكبرى التي تهم المسلمين، ومركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، والذي تأسس عام 2010م، من قبل المملكة العربية السعودية، وجمهورية النمسا، ومملكة إسبانيا، إلى جانب الفاتيكان بصفته عضوًا مؤسسًا مراقباً، إضافة المركز العالمي لمكافحة التطرف “اعتدال” والذي تأسس عام 2017 ومهمته مكافحة التطرف، واجتثاث جذوره، والتصدي له وتعزيز التسامح والتعايش بين الشعوب.
وأضاف “الأزهري” أن من بين جهود المملكة الحثيثة في هذا المجال، وثيقة مكة المكرمة التي تم توقيعها في شهر رمضان من عام 1440هـ، على هامش المؤتمر الدولي حول قيم الوسطية والاعتدال الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في المملكة، والتي نصت على مكافحة الإرهاب والظلم والقهر ورفض انتهاك حقوق الإنسان وكرامته، وتأصيل قيم الوسطية والتعايش بين الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب المختلفة بالعالم الإسلامي، وكذلك أشار إلى الرعاية الكريمة من قبل المملكة للمدارس العلمية الإسلامية الكبرى التي أمضت قرونا من الزمن في ترسيخ قيم الاعتدال كالأزهر الشريف وغيره، مختتمًا حديثة نيابةً عن ضيوف المؤتمر بالتمنيات بالتوفيق والنجاح والسداد للجميع، ومتمنيًا للمملكة العربية السعودية، وأرض الكنانة مصر، ولأوطاننا الأمن والازدهار والرخاء.
وفي الأخير تم عرض فلمًا مرئيًا عن المؤتمر أهداف المؤتمر، ورؤيته، ومن ثم كرم سمو أمير منطقة القصيم المشاركين.