حذر الدكتور أحمد بن عيسى الهلالي عضو هيئة التدريس في جامعة الطائف و المسؤول الإداري بنادي الطائف الأدبي الثقافي من الحوارات البيزنطية و الوقوع في شباك أحد هذه الحوارات غير البناءة وهى حوار التعجيز، مشيرا إلى ان الجدل البيزنطي هو محاولة التفوق على الخصم بأي وسيلة، كما حذر من حوار الاستكبار،و حوار الذل،والحوار السطحي، والحوار الطائش”.
جاء ذلك في اللقاء نظمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بالتعاون مع النادي الأدبي الثقافي بالطائف مساء أمس الاثنين الموافق ٩ جمادى الآخرة ١٤٤١هـ – ٣ فبراير ٢٠٢٠م ، بعنوان (الحوار بوصفه ثقافة) بإدارة الأستاذ حسن عبد الرحيم ، وقد بدأ الهلالي حديثه بشكر مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ممثلا في الأستاذ عبدالله العمري المشرف على المركز بالطائف كما قدم شكره للنادي الأدبي الثقافي بالطائف لاستضافته اللقاء ، ثم ذكر تعاريف الحوار والجدل والمناقشة والمناظرة ،
ثم تحدث عن الفرق بين الحوار والجدال وهو أن الجدال شدة في الكلام، مع التمسك بالرأي والتعصب له، فإخوان الصفا يعرفون الجدل أنه “صناعة من الصنائع، ولكن الغرض منه ليس هو إلا غلبة الخصم والظفر به كيف كان”.
وأما الحوار فهو مجرد مراجعة الكلام بين الطرفين دون وجود خصومة بالضرورة، بل الغالب عليه الهدوء والبعد عن التعصب. ، وفرق بين الحوار والمناظرة بأن المناظرة أدل على النظر والتفكر، والحوار أدل على مراجعة الكلام وتداوله.
كم تحدث الهلالي عن الحوار الفكري:
قائل أنه من المهم التنبه إلى مرجعية الحوار وأسبابه.. فالحوار الذي يأتي عارضا حول الزمن أو الطقس أو المواصلات، أو في مجالس الأنس والسمر غالبا يسمى حديثا ومحادثة.
وقال إن موضوع الحوار ليس بالسهولة التي نتصورها، بل يحتاج إلى تصور دقيق لأبعاده ومقتضياته، ولعل أهم القيم التي يبحث عنها المتحاورون الجادون تكمن في غايات الاحترام وقبول الآخر وفهمه وصولا إلى قيمة التعايش وبناء جسور تبادل المنافع وإعمار الأرض في ود وسلام.
وأشار إلى البيئات التي لا ينمو فيها الحوار مثل ـ التعصب / ورفض الآخر/ والتباغض / أحادية الفكر والتوجه/ معاداة التنوع والتعدد ….
وقال إن الحوار هدفه فهم الآخر، وتقبل وجهة نظره، وليس شرطا أن يكون هدفه إقناع الآخر بوجهة نظرك والحوار البناء مع الآخر المختلف لا يقوم على اعتبار الآخر منحرفا أو ضالا، وأنني بحواري معه سأبصره وأهديه وأجعله مثلي، بل يكون بناءً إذا قام أساسا على اعتبار أنني أحاوره لأفهمه وأعرفه بكيفية مباشرة، وأستطيع بناء على ذلك التعايش معه.
مشيرا إلى مقولة اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ـ علينا أن نغتني بخلافاتنا (بول فاليري).
ووأشار إلى أن الحوار أصيل في ثقافتنا العربية والإسلامية، فهو منهج رباني، يظهر في العديد من الأساليب القرآنية التي يجب أن نتأملها ونتوقف عندها لمعرفة قيمة الحوار، ومن أمثلته في القرآن:
ـ حوار الله مع الملائكة، (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)
ـ حوار الله مع الرسل. (نوح حوله ابنه، في قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} / إبراهيم حول الخلق/ موسى حول رؤية الله، {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}
ـ حوار الله مع إبليس . {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}.
وهناك مستويات أخرى للحوار في القرآن الكريم، حوار الأنبياء مع أقوامهم، وحوار أهل الأعراف يوم القيامة، وحوار السحرة مع فرعون وموسى، وبلقيس مع سليمان، وغيرها.
وهو من الصور البارزة في السيرة النبوية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولعلنا نتذكر الحوار الذي دار بين النبي وبين الأنصار بعد معركة حنين، حين قسم الغنائم على المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا، فحاك ذلك في صدورهم.
وحواره مع الرجل الذي بال في المسجد، ومع الشاب الذي طلب أن يأذن له بالزنا، وغيرها من المواقف الحوارية الحليمة في سيرته صلى الله عليه وسلم.
وتحدث الهلالي عن الحوار على مستوى الوطن، حيث قال : لقد أسست الدولة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، فاختيار اسم الملك عبدالعزيز لهذا المركز يحمل عمقا معلوما في وجدان الإنسان السعودي، فهو موحد هذه الأرض الشاسعة بكل مكوناتها الديموغرافية المختلفة، وسيكون المركز مظلة لتنشيط الحوار بين المكونات الفكرية، ومنارة لإشاعة ثقافة الحوار بين أبناء الوطن، وبينهم وبين المجتمعات الأخرى خارج الحدود.
ثم بدأت مداخلات الحضور من الجنسين والتي تخللتها بعض الأسئلة حيث تداخل رئيس النادي الأدبي الثقافي بالطائف الأستاذ عطا الله الجعيد مثيرا قضية ماحدث بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة حول تجديد الخطاب الديني وما حدث من لغط حول هذا الموضوع في وسائل التواصل ووسائل الإعلام ، تداخل بعد ذلك عدد من المثقفين والإعلاميين بطرح بعض الأسئلة على المحاضر والأستاذ عبدالله العمري الذي كرم في نهاية اللقاء الدكتور الهلالي .