في 23 يونيو، سيشارك مواطنو اسطنبول في الانتخابات البلدية، للمرة الثانية خلال 3 أشهر فقط. وكتب أكرم إمام أوغلو مقالا نشرته “واشنطن بوست” ذكر فيه “في 31 مارس، كان لي عظيم الشرف باختيار أهالي اسطنبول لمنصب رئيس البلدية، على الرغم من أن الجهات الانتخابية كانت تميل بشدة لغير صالحنا”.
ويقول إمام أوغلو إن الحزب الحاكم، الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، إنه بعد إعلان فوزه في اسطنبول تقدم باعتراضات على النتيجة وقام بتنشيط آلية بهدف إعادة التصويت، ولكن سيرى الجميع قريبًا ما إذا كانت هذه المقامرة ستؤتي ثمارها للرئيس وحلفائه.
تواصل مباشر مع رجل الشارع
ويضيف إمام أوغلو أنه على مدار الخمسة وعشرين عامًا الماضية، كانت اسطنبول تحكمها قوى سياسية تابعة لحزب العدالة والتنمية. وأنه عندما خاض سباق انتخابات العمودية في العام الماضي، واجه خصما سياسيا من ذوي الخبرة، والمعروف على نطاق واسع، وذلك بفضل توليه عدة مناصب عليا سابقا كوزير ورئيس للبرلمان ورئيس للوزراء.
ويوضح أنه بدأت تحركه من واقع الاعتقاد بأنه سيفوز في الانتخابات من خلال الاتصال المباشر بالجماهير، بغض النظر عن أيديولوجيتهم، وبالتالي إظهار أن التنوع يمكن أن يكون قوة، وليس نقطة ضعف.
تخطي حواجز انعدام الثقة
ويشير إمام أوغلو إلى أنه بحكم خبراته كرئيس لحي بيليكدوزو (وهو أحد أحياء اسطنبول ويتميز باندماج الثقافات المختلفة في تركيا)، تعلم أنه من الممكن التغلب على حواجز انعدام الثقة والعداء، التي تنشأ عن سياسات الخوف. وأنه قام بالتركيز على طرح أفكار للإدارة الجيدة للمدينة، وتوضيح مدى محورية دور العمدة كمسؤول محلي سريع الاستجابة.
خوض تحدٍّ هائل
ويشرح إمام أوغلو أنه “يجب على أي شخص يختار الترشح لمنصب في تركيا اليوم أن يتعايش مع أجواء من الاستقطاب الشديد. ولذا فإنه قرر خوض التحدي من خلال تقديم نفسه مباشرة للناخبين، وهو تحد هائل في مدينة يقطنها 15 مليون نسمة”. ولكنه كان عاقد العزم على متابعة خطته، وجعل أساس حملته الانتخابية هو إظهار مدى حبه واحترامه لشعب اسطنبول.
مجابهة الاستقطاب
ويفسر إمام إوغلو أن السبب وراء اتخاذ هذا القرار هو اعتقاده بأن مثل هذا النهج يعد علاجا حاسما للاستقطاب والشعوبية الاستبدادية.
ويهيمن حزب العدالة والتنمية الحاكم على المشهد الإعلامي في تركيا، مما يجعل تحقيق إنجاز على يد أي شخص معارض للحزب أمراً بالغ الصعوبة. وتملي مثل هذه البيئة على الجماهير توجهات أحادية الجانب.
وجها لوجه مع المواطنين
ويقول إمام أوغلو إنه لم يكن لديه أي أمل في تحقيق تقدم على الساحة الانتخابية وسط هذه الأجواء، ولكنه شرع في إجراء مقابلات مع أكبر عدد ممكن من المواطنين ينتمون لجميع الخلفيات السياسية والثقافية. وأثناء إجراء حوارات وجها لوجه مع المواطنين، نجحت حملته الانتخابية في تحويل هذه المحادثات الحقيقية إلى مقاطع فيديو تم بثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
توظيف وسائل التواصل
وكان الهدف من توظيف وسائل التواصل الاجتماعي هو وضع قناعات إمام أوغلو الديمقراطية بين يدي الناخبين، إذ إنه يؤمن بأنه لا يمكن إحداث تغيير في اسطنبول إلى لأفضل إلا من خلال استماع سكانها ومسؤوليها إلى بعضهم البعض والعمل معا يدا بيد. ويشير إمام أوغلو إلى أن مقاطع الفيديو، التي كان يتم بثها غالبًا على الهواء مباشرة، اجتذبت اهتمامًا عامًا كبيرًا ومنحته فرصة للتواصل مع الناخبين على الرغم من البيئة الإعلامية المنحازة في تركيا.
تحسس نبض المدينة
وتابع أن الطريقة الأكثر مباشرة والأسهل لتحسس نبض مدينة ما، هي المشي في طرقها وشوارعها. ويقول إمام أوغلو إن المشي أحد الأشياء المفضلة له، وأصبح التعامل وجها لوجه هو وسيلة الاتصال الرئيسية لحملته الانتخابية. ويشير أوغلو إلى أنه قطع مسافات طويلة أثناء الحملة، حيث قام ببناء جسور ثقة، بين مجتمعات كانت مهمشة سياسياً طوال عقود، من خلال مقابلاته معهم في أماكن تواجدهم في المقاهي والحدائق والملاعب وأثناء توجههم إلى أعمالهم وفي المدارس والمساجد.
معاينة على أرض الواقع
ويستطرد إمام أوغلو شارحا أنه يمكن لأي سياسي أن يعاين حقيقة الموقف بشكل فوري من خلال الاستماع إلى رجل الشارع العادي بصراحة، أما إذا كان السياسي لا يناقش كيفية التغلب على الصعوبات الاقتصادية والظلم الاجتماعي، فلن يستمع إليه أحد.
مكافحة الفقر والقضاء على البطالة
ويشدد إمام أوغلو على أن المواطنين لا يمتلكون الوقت أو الاهتمام بالمشروعات الهندسية واسعة النطاق أو استراتيجيات الاستثمار الكبيرة. وإنما يجب على أي سياسي التركيز، بدلاً من ذلك، على سبل مكافحة الفقر والظلم في المناطق الحضرية، ورعاية الأطفال الذين لا توجد لديهم فرص تعليمية كافية؛ بالإضافة إلى الشباب والنساء، الذين يعانون من البطالة أو الأجور غير المتكافئة؛ وجميع الفئات المحرومة التي بالكاد تشارك في الحياة الحضرية.
ويضيف إمام أوغلو أن رسالته ببساطة هي أن اسطنبول تحتاج إلى عمدة أكثر قدرة على الاستجابة ويمكن محاسبته ومساءلته، ولهذا تم اختياره من خلال صندوق الاقتراع. ويؤكد إمام أوغلو أنه تم قتناص الفوز على الرغم من العقبات، التي لا تعد ولا تحصى، التي وضعها الحزب الحاكم للحيلولة دون تحقيق مثل هذه النتيجة. ولكن بعد نحو 17 يوما استغرقها إعلان النتائج بعد إعادة فرز الأصوات ولكن بسبب استمرار تقديم الاعتراضات من جانب الحزب الحاكم، قام المجلس الأعلى للانتخابات بإلغاء النتائج.
الوقوف في وجه سلطة استبدادية
ويقول إمام أوغلو إن حملته الانتخابية تعمل حاليا، بمشاركة من 155000 متطوع يعملون على مدار الساعة، واضعين أنظارهم على تاريخ 23 يونيو. ويعتقد إمام أوغلو اعتقادا راسخا أنه إذا كان بالإمكان التعبير عن إرادة الناخبين بحرية ونزاهة في اسطنبول، دون أي تدخل يعوق سيادة القانون، ستظهر طاقة المواطنين المذهلة أنه من الممكن لهم الوقوف في وجه السلطة الاستبدادية.
الحوار والتشاور والمرونة
ويختتم إمام أوغلو مقالته قائلا إن المرونة الحقيقية تتطلب التغلب على الانقسامات من خلال الحوار، والتشاور مع المواطنين، وهي دروس يمكن تطبيقها أن يتجاوز حدود تركيا، حيث إن التعددية ليست عدو، سواء في تركيا أو في العالم الخارجي. وإنما يجب أن يتم احتضانها ومواكبة القوة، التي يجلبها التنوع.