في صبيحة هذا اليوم السبت الثالث عشر من شهر رمضان المبارك من عام 1440 – 2019 تجولنا في ربوع محافظة رنية، وكنا على موعد مع الشعر الجاهلي والحديث والنبطي من شبابها الشعراء وما يفضفضون به في صدورهم هناك بعض من القرى المحيطة بالمحافظة والأجواء الربيعية الممطرة، وقراها الممتدة على طرفي واديها الكبير وشهير، يوجد بها دور طينية قديمة تربض في هدوء وسكينة وسط غابات من نخل وهي تتابع القرى الأسمنتية التي بدأت تنمو وتكبر حولها.في هذه المشاهد على ضفتي وادي رنية، مساحات من جمال آخاذ، بل قصص وحكايات فيها من الدروس والعبر، مثلما ما فيها من أشجار وألحان رنانة، نجدها في أشعار أبناء محافظة رنية، وفي أغانيهم وأهازيجهم، وتصورها رقصاتهم الشعبية، وقد نجدها على ألسنة من بقى من ذلك العهد الذي كان يقرب الناس بعضهم من بعض، فلا يفصل بين الأسرة والأسرة، إلا جدار من طين، بينما مورد الماء واحد، والدرب واحد، وحتى الراحلة والشجرة واحدة في كثير من الأحيان.وفي العصور القديمة قالوا الشعر هو ديوان العرب في القديم من الزمان، وهو منبرهم في الجديد من الزمان، فها نحن نعود إليه اليوم، لنرى من خلاله جمال المكان في رنية، ونلمس من خلاله، إحساس الإنسان في رنية بهذا الجمال وكان لمعالم رنية الجغرافية حضورها في الشعر الجاهلي إن الطبيعة ملهمة، والوطن هو الوجه القريب إلى الإنسان من هذا الكون كله، فهو يمنحه حبه وحنينه، ويغنيه صباحاً ومساءً انطلاقاً من هذا الشعور الجميل. كان أبناء محافظة رنية قديماً وحديثاً، هم الذين أخذوا بلدتهم رنية إلى صدورهم، فأحبوها وأحبوها حتى فاض حبهم بشعرهم فيها، ولهذا وجدناها من أكثر البلدان احتفاءً من أهلها حتى لو جمع ما قيل فيها من شعر فصيح ونبطي وأدبي، لضاقت به لمجلدات المكتوبة. ومن خلال هذا التحقيق في صحيفة أضواء الوطن نفسح المجال هنا للشعر، فهو لديه ما يقوله عن رنية هذه، عن أرضها وجبالها وسهولها وأوديتها ونخلها وناسها.. عن كل شيء فيها.
ماذا قال الشعراء عن رنية..؟ بل ماذا قال الشعر.. نذكر لكم من الصور الشعرية ومن ما قاله الشعراء الجاهلين في العصر الجاهلي جانباً من حصانة جبالها وأكنانها بأنها مأمن حصين لكل من دخلها ونذكر الشاعر الراعي النميري عندما كان يتوعده والي المدينة مروان بن الحكم من قبل معاوية بن أبي سفيان وذلك في عهد دولة بني أمية حيث ردّ عليه بقصيدة مشهورة قال فيها:
خبرت أن الفتى مروان يوعدني
فاستبق بعض وعيدي أيها الرجل
لي في تدوم إذا اغبرت مناكبه
أو دارت الكور عن مروان معتزل
ولقد ذكرت هذه الجبال في الشعر الجاهلي.. ومنها قول الشاعر لبيد بن ربيعة يصف أطلال هند في رنية:
لهند بأعلى ذي الأغر رسوم
إلى حدا كأنهن وشوم
فوقف فسلي فأكتاف ضلفع
تربع فيها تارة وتقيم
بما قد تحل الواديين كليهما
زنانير منها مسكن فتدوم
ويقول أيضاً أحد الشباب بها الشعراء بدحان حجاب السبيعي
يا نجد ممشى في مشاهيك سلوى
قبل الربيع وزادك الخير خيرين
كما يقول الشاعر فليان بن ماضي أبو راس يصف ديرته رنية وهواها
رنية بلدنا ما تبدل بالأبدال
نرخص لهابالروح وبالعهد نافي
نسمة هواها تنعش القلب والحال
تشفي الفؤاد وللجرايح تشافي
بضفاف واديها بساتين وظلال
والجو فيها دائم الدوم صافي
أما جبل صهر يطل على المحافظة من جهة الغرب وتقع تحته قرية الضرم كما قال الشاعر الأستاذ سعد فواز البخيت واصفاً رنية بجبالها الشامخة العالية ومن أبرزها جبل صهر الذي يطل على محافظة رنية من جهة الغرب وهو جبل أسود مليء بالكنوز والآثار القديمة ويتمنى الشاعر أن يكون مثل هذا الجبل طولاً بنجد وكم من أحداث شهدت لهذا الجبل الصلد القوي ولا تؤثر عليه العوامل الطبيعية.
ويقول الشاعر في قصيدته:
يا شامخاً من بطن رنية واعتلى
هلا بنجد كان مثلك اطولا
شهدت لك الأحداث حين تداولت
وأراك صلداً مارضيت تبدلا
يا سائلاً سل الزمان وما حوى
هل نسيت لصهر أن تتمثلا
رنية إحدى محافظات مملكتنا الحبيبة تتميز بحب أهلها لها وتغنى بها الشعراء قديماً وحديثاً..ومن هؤلاء الشعراء ..حزمي فراج مناحي المجامعة ، حيث يقول أبو مناحي..
يارنية الفيحاء سقى الله واديك..يسقيك من نو روي الرعودي.
يسي أجبالك والهضاب وأرابيك.
دار الكرم والعز دار الجدودي.
دار نشأ جدي وعمي بواديك.
وسط الغروس اللي عساها تعودي
أنا أحب الدار واللي سكن فيك.
وحب الوطن في العرق دايم يزودي.
حب نسمات الهوى في بواديك.
وجبالك اللي شامخات اوتودي.
ونذكر هنا في هذه الأبيات إضافة لما ذكره الشاعر من وصف جميل لرنية تضاف أسماء بعض الجبال التاريخية والأثرية مثل جبل كلان والحويا وجبل الشايل والكور. من دوافع قول الشعر في محافظة رنية طبيعتها الخلابة ومناظرها الجميلة ومعالمها الأثرية التي حركت قرائح الشعراء فأصبح الشعر فيها فطرة موروثة يتوارها الأبناء عن آبائهم وأجدادهم.
بين النابغة والهمداني
ومما قاله النابغة الجعدي وهو من شعراء العصر الجاهلي:
كأن غير يراهم بجنوب سلّي
نعام فاق في أرض قفاري
وأورد أيضاً الهمداني من قول الشاعر:
يا ابلي هل تعرفين ساقاً
وضلفعان والمرتع الرقراقا
وقال غيره:
إذا ما قطعنا اليوم رحلة هاجر
فإن لنا بالضلفعين مقيلا
ويتمثل الشاعر بدر بن محمد السبيعي في طلب الغيث إني ياغيثهم في ديرتهم رنية
يالله في غيث ٍ من الغرب ودّان
تغسل به الاجوا بعد راحت اغبار
قلوبنا في حاجه لغيث الإيمان
وديارنا في حاجه لغيث الأمطار