تتوارث أم أنس حرفة إعداد وتجهيز “الكليجا” الأكلة الشعبية الأشهر على مستوى منطقة القصيم، منذ أكثر من 150 عامًا، مبدية اعتزازها بتلك المهنة العتيقة، التي لازمت أسرتها، وعرفتها منذ أكثر من قرن ونصف، كانت فيه الأسرة محط أنظار كل من يريد الجودة والنكهة والمذاق الأصيل.
ففي إحدى جنبات مهرجان كليجا بريدة الحادي عشر، المقام بمركز القصيم الدولي للمؤتمرات والمعارض، تتربع “أم أنس” التي حظرت من محافظة رياض الخبراء، وهي تطوي عقدها الستين من العمر، بجوار فرنها، ويلتف حولها بعض بناتها، في حين يتزاحم أمامها الزوار والمشترين وحتى المتفرجين، وتجد بجوارها كل حاجياتها من مواد الإعداد، وأدوات التجهيز، للقرص الأشهر في الأكلات الشتوية “الكليجا” وكأنك في معمل متكامل لصنع الطعام.
تحكي “أم أنس” تجربتها الطويلة والثرية في صنع وإعداد “الكليجا” مؤكدة أنها امتدت لأكثر من 150 عامًا، كانت بدايتها من خلال جدة والدتها، ومن ثم جدتها التي توفيت قبل أربعة أعوام عن عمر يناهز 110 أعوام، مرورًا بوالدتها ذات الثمانية عقود، والتي تتذكر معها على الدوام كيف تم توارث هذه الصنعة، وليس انتهاء بنقلها لتفاصيل المهنة ودقائقها لبناتها، ممن التحقن في كليات ومدارس المنطقة، ليستمر خط الإنتاج، وعلامة الجودة، صامدة متواصلة رغم كل نقلات التطور والموضة التي طغت على أنواع وأشكال ومذاقات الحلوى والأكل.
تستذكر “أم أنس” ما كانت تسمعه من جدتها عن أمها، كيف كان إعداد قرص “الكليجا” قبل قرن من الزمن، حينما كانت النار من الحطب، وحينما كانت عجينة طحين البر تقاس بالوزن هي حشوتها التي كانت مقتصرة على التمر فقط، وكيف تطور الأمر حتى بات من خلال أفران الغاز، أو الكهرباء، وكيف دخلت المنكهات والمزينات إلى قرص الكليجا، وبات الكثير يتفنن في تشكيله وتقديمه.
تواصل حديثها “أم أنس” لتكشف طريقة إعداد “الكليجا” ومكوناته، من طحين البر، والسكر والليمون والهيل والدارسين والزنجبيل والدبس وغيرها من المحسنات الخفيفة، وطريقة عمل العجينة الخاصة، ومن ثم عملية الحشو والتمثيل والتطبيق والترتيب ومن ثم إدخاله في الفرن.
وأكدت “أم أنس” أنها فخورة كل الفخر وهي تنقل خبرات السنين المتراكمة لأكثر من قرن ونص إلى بناتها وحفيداتها، حتى تستمر تلك المهنة والحرفة العظيمة، التي فتحت لهم مصدر رزق تحمد الله عليه دومًا، وساهم بعد توفيق الله في مواجهتها لظروف الحياة، وتجاوزها للكثير من صعابها.