ألقى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد خطبة الجمعة من المسجد الحرام وقال فيها: أيها المسلمون: جاء الإسلام لتحقيق مصالح العباد في الحال والمآل ، وفي جميع الأحوال : في العقيدة، والعبادة، والمعاملات، والعادات، والقيم، والأخلاق، والارتباطات الاجتماعية، والعلاقات والإنسانية، مما ينظم حياة الإنسان كلها في الدنيا والأخرة .
معاشر المسلمين : وأعمال الإنسان إما عبادات يقوم عليها دينه، وإما عادات تصلح بها دنياه، والعادات مرتبطة بنية العبد، فَحَسنها حسن، وقبيحها قبيح ، وفي الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى ” مخرج في الصحيحين.
والموفق من عباد الله من اختار أفضل السبل ، واجتهد في تحصيل أكمل المـُــثُــل، والعادات ، والأعراف ، لها سلطانها على النفوس ، وتمكنها من حياة الناس ، يشق نزع الناس عنها ، ويصعب التخلص منها، والفطرة الإنسانية تميل إلى الأنس بما اعتادته والركون إلى ما ألفته .
فأعراف الناس وعاداتهم جزء من حياتهم ، ورمز من رموز حضارتهم وثقافتهم ، ومن هنا جاء الشرع مقرا لهذه الأعراف ومعترفاً بها ، وهذا كله في الأعراف الصالحة المستقيمة ، أما الأعراف الفاسدة فإن الشرع ينهي عنها ، ويأباها.
وكلما حَسُنَ تدين المجتمع ، واستقامت تربيته ، وارتقت ثقافته ، وازداد وعيه ارتقى في عاداته وأعرافه ، وقلت فيه العادات السيئة .
معاشر المسلمين : والعادات : سلوك اجتماعي ، يسير عليها الناس ويبنون عليها تصرفاتهم في الأحداث ، والمواقف ، والمناسبات ، والأفراح ، والأتراح ، وتجري عليها أساليبهم في أقوالهم ، وتعاملاتهم ، وما يأتون ، وما يتركون ، في المآكل ، والمشارب ، والمساكن ، والمراكب ، واللباس ، والغذاء ، والحديث ، والألفاظ ، والتصرفات ، والخطط والأنظمة ، والمعاملات ، والبيوع ، والإجارات ، والأوقاف ، والأيمان ، والنذور وغيرها.. مما تقتضيه حوائج الناس ، وتدفع إليه مسالكهم ، في التدبير ، والإدارة ، والإصلاح .
والقاعدة في ذلك أن كل ما تعارف عليه الناس واعتادوه وساروا عليه ، ولم يكن فيه حكم شرعي مقرر فانه يوزن بميزان المصلحة الشرعية بعيدا عن الأغراض ، والعصبيات ، فإذا كانت العادة ، أو العرف يحقق للناس مصلحة راجحة ، أو يدفع عنهم مفسدة ظاهرة ، ولا يخل بالمجتمع فهو عرف مقبول ، وعادة نافذة .
والإسلام أقر من الأعراف ، والعادات ما كان صالحاً نافعا لا يعارض أحكام الشرع المطهر ، وأصلح بعض الأعراف وقوَّمها .
معاشر الأحبة : وفي رعاية الأعراف رعايةٌ لمصالح المسلمين ، والشريعة مصلحة كلها ، ورحمة كلها ، ومن مصالح الناس أن يقروا على ما ألفوه وتعارفوا عليه تيسيرا لهم ، ورفعا للحرج عنهم .
أما بعد أيها المسلمون : الأعراف الصالحة ، والعادات المستقيمة تعزز الشعوب ، وتقويها ، وتشد منها، ويتعين على كل عاقل – فضلا عن المسلم الصالح – أن ينبذ كل عادة ، وعرف يخالف أحكام الشرع ، أو يقود إلى عصبية وجاهلية ، وفرقه وتمييز ، وعليه أن يعرض ذلك كله على ميزان الشرع المطهر ، لينفر من قبيح العادات ، وسيء الأعراف ، ويفيء إلى ظلال الإسلام الوارفة ، ودوحته الآمنة ، وإلى مسالك الأخيار من أهل العقل ، والفضل ، والكرم ، والمروءة.