” أعطِني مسرحًا أُعطيك شعبًا مثقَّفًا”، على الرّغم من البداية القديمة للحراك المسرحيّ في السُّعوديَّة ، إلا أنه دون الطموح المرجوّ منه ولا يزال يدار بإجتهادات شخصية وبأعمال فردية محدودة .
وخلال الأشهر القليلة الماضية ، شهد المسرح السعودي إنفراجة حقيقية افتقدها لسنوات طويلة ، لتكونَ جزءًا من الحِراكِ الذي تتبنّاه المملكةُ لإدارة عجلة التَّطور الثَّقافي والفنَّي مواكبةً لرؤيةِ 2030 .
ولتسليط الضَّوء أكثر حول المسرح وفنونه وأهمّيته وهمومه حاورَتْ ”أضواء الوطن” الكاتبَ والباحثَ المسرحيَّ السعوديَّ ياسر مدخلي رئيس تحرير فصلية المحترف و مؤسِّس مسرح كيف وهو أسلوب ابتكره خلال أعمال محترف كيف للفنون المسرحيَّة الّذي أسَّسه عام 2006 م، والحاصل على عِدّةِ جوائزَ محليَّةٍ ودوليّةٍ ،، فأهلاً وسهلاً بك .
بدايةً ما تقييمك لواقع المسرح السعودي بشكل عام و في جدة على وجه الخصوص؟
مازال المسرح يقف على أكتاف العصاميين و بجهود المبدعين ، ولاسيما بعد توقف جمعية المسرحيين وأثناء ترقبنا لمؤسسة المسرح الوطني والمجمع الملكي للفنون، ننادي دائماً بضرورة تمكين المبدع من الشرعية القانونية والدعم المادي والمعنوي وتوفير البنية التحتية لكي ينشأ المسرح كصناعة ثقافية وحضارية ضمن مقومات الإبداع الوطني.
وفي جدة – كبقية مدن المملكة- نسعى حثيثا ونقف سويا صفا واحدا، لتنشيط المسرح وقبيل أيام كنا على موعد مع جمعية الثقافة والفنون، التي بدأت تخطط للمسرح بشكل منظم ووعد المسرحيون أنفسهم أن يكون عام 2019 هو عام المسرح في جدة.
ولا أنسى أن أشكر النادي الأدبي بجدة الذي تبنى منتدى المسرح الذي يقام بشكل شهري ويتفاعل معه المسرحيون، لإثراء الثقافة المسرحية، وكذلك احتواء نادي جدة لمبادرة مسرح السعودية التي أثبتت أن المسرح صناعة حضارية وقوة اقتصادية وترفيه راق للمجتمع السعودي المتعطش لمثل هذه الفنون العتيقة .
أما جامعة الملك عبدالعزيز فقدمت العديد من المبدعين منذ عام 1980م من خلال نادي المسرح وكلية الآداب التي درست فيها الكتابة المسرحية بين عامي 2000م-2004م في قسم الأدب على يد الأستاذ الدكتور حسن النعمي.
حدثنا عن المعوقات التي تواجه المسرحي السعودي ؟
أولا : عدم وجود مرجعية رسمية كمظلة متخصصة تدعم مشتغليه ماديًّا ومعنويًّا وتشجع على الإستمرار في العطاء.
ثانيا: لا توجد مواقع لتنفيذ العروض وممارسة التدريبات اليومية.
ثالثا: فرص الدراسة الأكاديمية شبه معدومة في فنون المسرح .
رابعا: تعد التراخيص أزمة حقيقية للمسرحيين بعد ظهور الهيئة العامة للترفيه، لأن المسرح نشاط هواة والهيئة تصر على التعامل معه كعمل تجاري وهناك فروق ومقومات تختلف بينهما .
خامسا: افتقارنا للكتاب المسرحي السعودي، وورش العمل الإثرائية التي تعزز مكانة المسرح وأهميته كفن تنويري وتصقل المواهب بشكل صحيح، وكثير من نجوم اليوم ثقافتهم المسرحية ضعيفة ولم تتوفر لهم الحلول بشكل يقوي الجانب المعرفي لموهبتهم.
سادسا: الإرتباط بالمنظمات الدولية والمحافل العالمية التي من شأنها وضع اسم السعودية على خارطة الفن المسرحي كواحد من أهم المنابر الثقافية التي تستعرض الهوية الوطنية وعمق الموروث الإنساني للمملكة.
برأيك هل أخذت الفنانة السعودية فرصتها في الساحة الفنية ؟
أعتقد أن هذا السؤال يوجه لمن يعنيه إذا أردنا الحصول إلى إجابة دقيقة فكوني أتصدر للإجابة هنا فهذا بحد ذاته إجحاف في حقها بالتعبير وتجاهل لوجودها الذي أصبح ملفتا.
يقال ”إنَّ الدراما التلفزيونية طغت على السينما والمسرح” ما تعليقك ؟
هي صناعة سهَّلت للكثير فرصة الظهور، والدراما التلفزيونية ارتبكت كثيرا عندما ظهر اليوتيوب الذي كان خيارا أسهل من التلفزيون.. لذلك لو سهلت الجهات المعنية للموهبة الوطنية فرصة العمل بشكل منظم سنجد المسرح يستقطب الكثير ويعيد النجوم مرة أخرى إلى الخشبة.
هل ترى أن مسرح الطفل غائب أم مغيب ؟
مسرح الطفل منطقة مخيفة لمن يفكر الخوض فيها، لأنها تحتاج مهارات وقدرات معينة يلم بها المسرحي من الجوانب التربوية والتعليمية والبصرية. والكتابة للطفل مضنية وتحتاج إلى تركيز كبير فالطفل ناقد صادق لا يجامل وفي نفس الوقت هو وعاء مستعد للامتلاء بالأفكار المطروحة فمتى ارتجلنا الأفكار وتساهلنا في صناعة مسرح الطفل أجرمنا في حقه.
نسمع عن مسرح كيف منذ أكثر من 10 سنوات، ماذا قدمت من خلال هذا الفريق ؟
منذ 2006 فكرت في تأسيس فريق مسرحي مختلف، يخلق مساحة حرة تمكنني من صياغة منهجية لصناعة العرض المسرحي، وبفضل الله ثم الأعضاء تمكنت من تقديم تجارب مسرحي وفق منهج محدد أحاول إصدار كتاب حولها خلال العام المقبل، وتجاوزنا تقديم العروض إلى رعاية المواهب بدورات وورش عمل نقدمها كمبادرات للشباب والشابات ضمن المؤسسات الثقافية والجامعات ومعارض الكتاب والمناسبات المختلفة والحديث يطول عن فريقنا و منهجنا.
هلَّا حدثتنا عن مسرح العرائس في محترف كيف للفنون المسرحية ؟
هذا واحد من المشاريع الذي بدأناه قبل سنوات وتبلورت ملامحه بعد مشاركتنا في الملتقى العربي الأول لفنون العرائس وخيال الظل والفنون المجاورة مع الهيئة العربية للمسرح التي شجعت أعمالنا منذ قيامها ووجدنا مساندة منها كان لها أثر في عملنا كفريق، ولنا في العام القادم فرصة لاستهداف 30 مدرسة لحضور عروض مسرح الحكايات التي نقدمها بهوية سعودية إذ ندمج بين فن الحكواتي والعرائس في عرض واحد موجه للأطفال.
قمت بمبادرات لدعم الموهوب في المسرح هل نجحت هذه المبادرات؟
في ظل عدم وجود فرص لاحتواء المواهب في عروض مستمرة وعدم وجود مكان كنت أجد صعوبة في تحقيق أحلامهم بالصعود على المسرح ولكن لم نقف عند هذا الحد واستمرت اللقاءات والورش لتعليمهم التمثيل والكتابة وعدد المستفيدين من هذه المبادرات كثير وأتمنى أن أجد الفرصة يوما لتمكين الموهوب السعودي والموهوبة السعودية من ممارسة هذا الفن.
بعد حصولك على جائزة الشارقة للتأليف المسرحي 2018 بالمركز الأول وهي أكبر جائزة رسمية للتأليف المسرحي ما طموحاتك ككاتب مسرحي ؟
أطمح إلى تمكين المسرح من بيئة خلاقة تتيح للوطن إبداع بحجم اسمه العظيم و تعليم المسرح كفن للجمال وممارسته بالصيغة الحضارية و الوعي بأنه خدمة اجتماعية تنير العقول وتلهم المبدعين، و الجوائز ليست لأسمائنا، وإنما لأعمالنا التي أخلصنا في تجهيزها وتنفيذها، وتظل الجائزة تحمِّلنا المسؤولية ولا تحصِّن المبدع من التقصير .
رسالة عتب إلى من توجهها ؟
عتبي إلى ذلك الذي تعلِّم المسرح وكافح على خشباته وفي أقرب فرصة هجره من أجل الشهرة!
كلمة أخيرة نختم بها اللقاء ؟
أيها المسرح ..
لست بحاجة لكثرة عدد.. أو وفرة مال .
أنت لا تحتاج إلا .. إلى كثافة إرادة..