[B]أعادت استقالة مدير مستشفى حائل العام الدكتور عبدالعزيز النخيلان الحديث مجدداً عن تردّي الخدمات الطبية في بعض المناطق بالسعودية، خاصة غير الرئيسة منها، والتي لاتزال تعاني من نقص في المستشفيات والكوادر الطبية، مع تعثر كثير من مشاريع الوزارة التي بدأتها خلال السنوات الماضية.
واتهم أطباء ومختصون في الشأن الصحي الوزارةَ بغياب استراتيجية العمل والتخبّط في القرارات، ما نتج عنه تراجعٌ كبير في الخدمات الطبية، الأمر الذي يهدد صحة المواطنين. وتوقعوا أن تلفت استقالة الدكتور النخيلان الأنظار أكثر لما تعانيه الوزارة من تراجع كبير لم ينجح في علاجه ضخ أكثر من 160 مليار ريال في ميزانية وزارة الصحة خلال عامين.
وكان الدكتور النخيلان استقال من إدارة مستشفى حائل العام إثر خطأ طبي وقع فيه المستشفى نتج عنه وفاة جنين وإصابة أمه بفشل كلوي بعد أن نُقل لها دم بشكل خاطئ، والحادثة تعد استمراراً للأخطاء الطبية التي باتت تقع بكثرة في مستشفيات السعودية، فمنذ يومين توفي أحد المواطنين في مدينة المجمعة (180 كلم شمال العاصمة الرياض) بعد أن أصيب بجلطة خطيرة في المخ وبقي أقاربه يبحثون عن مستشفى ينقد حياته لأكثر من أربعة أيام، قبل أن يجدوا له سريراً شاغراً في مستشفى الشميسي، ولكن بعد أن تفاقمت حالته ودخل في مرحلة حرجة انتهت بوفاته.
وخلال أقل من شهر واحدٍ توفي أكثر من 6 سعوديين بأعمار متفاوتة لعدم توافر أسرَّة لهم في المستشفيات، على الرغم من خطورة أوضاعهم الصحية، وهناك العشرات غيرهم يتهددهم المصير ذاته.
ولا يقتصر الأمر على الأخطاء فقط، فبعد يوم من الحادثة وجّهت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد خطاباً شديد اللهجة لوزارة الصحة تتهمها فيه بالتباطؤ في اعتماد مخطط المقاول المكلف بتنفيذ مشروع مستشفى بيشة في محافظة بيشة بمنطقة جازان، وإهمالها لمتابعة الأعمال المستجدة في المشروع، وطالبت الهيئة وزارة الصحة بإجراء التحقيق في أسباب تعثر المشروع الذي عطل استفادة المواطنين منه طيلة السنوات الخمس الماضية، وتحديد المسؤول عنها، ومجازاته.
غياب الاستراتيجية دهور الخدمات الصحية
ويتهم استشاريُّ العلاج الطبيعي والتأهيلي في مستشفى الحرس الوطني الدكتور محمد الخازم وزارةَ الصحة بالمسؤولية عن تردّي الوضع الصحي في السعودية، مؤكداً في حديثه للعربية نت أن الوضع الصحي لم يتحسّن على الرغم من تضخم ميزانية الوزارة، ويقول: “لدينا مشاكل في توافر المنشآت الصحية وأيضاً في الكوادر المشغِّلة لها.. وزارة الصحة هي المسؤولة عن ذلك”.
ويتابع: “ليس هناك مخططون متخصصون في الوزارة، وكل ما هناك اجتهادات فقط. القضية ليست فقط في توفير أسرّة لأنه لا يوجد تأهيل كافٍ ولا مختبرات كافية، ولهذا تجد المرضى يتواجدون حتى في الممرات”.
ويضيف: “لا يكفي التوسع في المباني وعدد الأسرّة، فلابد من توفير الكفاءات والكوادر الطبية والمختبرات أيضاً”.
ويشير الخازم، المؤلف المشارك في كتاب “المشهد الصحي في السعودية”، إلى أن الوضع الصحي في السعودية لم يتحسن، ويقول: “لم يتحسن الوضع الصحي في السعودية ولا حتى بشكل طفيف، فالوزارة تمر بمرحلة سيئة وعلينا ألا ننخدع بما يُكتب في الإعلام والمشاريع التي يحكون عنها، فهي تعاني من مشاكل في التنفيذ، وهيئة مكافحة الفساد قالت ذلك وأكدت أن هناك تعثراً في إنجاز المشاريع الطبية، وأكبر مثال مدينة الملك عبدالله الطبية التي أعلن عن افتتاحها سابقاً والآن يقولون: لا نملك أرضاً كافية، وأيضاً ما حدث في مستشفى الشميسي كل ما فعلوه هو مجرد تغيير اسم المستشفى ولكن لم يتغير أي شيء آخر فيه”.
ويستغرب الدكتور الخازم من عدم دراسة المشاريع قبل اعتمادها، ويقول: “ميزانية الوزارة عالية جداً ومع ذلك هناك مشكلة في المشاريع وفي توفير القوى العاملة، فعندما يُنجز المستشفى لا يكون هناك كوادر جاهزة للافتتاح، مع أن عملية البناء تحتاج لأربع سنوات على الأقل، كما أن عملية تحديد سعات المستشفى لا تتناسب مع عدد سكان المنطقة، ففي الطائف مستشفى 200 سرير مع أنها تحتاج لأكثر من 800 سرير مقارنة بعدد السكان، وسيأتون ويقولون غيّروا المخطط وارفعوا عدد الأسرّة، وهذا ما حدث في مستشفى الخير ومستشفى بلجرشي ومستشفى الجوف ومستشفى بيشة، تم رفع طاقة المستشفى بعد بدء البناء دون أن تتغير البنية التحتية للمستشفى”.
ويتابع: “لدينا مشكلة في الخطط غير المدروسة.. فهم يبنون مستشفى لـ200 سرير ثم يغيرونه لـ500 سرير ولكن لا يغيرون عدد المختبرات والمعدات والأمور الأخرى، فالأمر ليست مجرد توفير غرف وإلا لحولنا الفنادق لمستشفيات، فهي قضية خدمات عامة”.
ويعتبر الدكتور الخازم الخطأ الطبي الذي حدث في حائل لا يمكن القبول به، ويضيف: “ما حدث في حائل خطأ إداري أيضاً، فالدم لا ينقله موظف عادي وهناك إجراءات معينة لنقله، وهذا يعني أن هناك مشكلة في النظام، ومن الجيد استقالة الدكتور النخيلان لكي يشعر الآخرون بأن هناك خللاً وأنه عجز عن علاج الخلل.. فهذا نوع من الإحساس بالمسؤولية”.
أزمة صحية لم تتغير
ويتفق عميد كلية الأعمال بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور عبدالإله ساعتي مع حديث الدكتور الخازم، مؤكداً أن شيئاً لم يتغير في الوزارة التي يراها تفتقد للتخطيط السليم.
ويقول وفقا “للعربية.نت”: “للأسف لدينا أزمة صحية، فمن المفترض أن تعرف وزارة الصحة عدد السكان في كل منطقة، وكم نسبة الزيادة السكانية، وعلى هذا الأساس تخطط لحاجة كل منطقة من الأسرّة؛ كي لا نقع في أزمة”.
ويضيف مشدداً على تردّي الخدمات الصحية في السعودية: “هناك تراجع واضح ونقص حاد في الخدمات الطبية، وهذا يشكل خطراً كبيراً، والوزارة بحاجة لما يُعرف بإدارة الأزمات لمعالجة المشكلة الكبيرة التي تشكل خطراً على حياة الناس وهي نقص الأسرّة”.
ويطالب الدكتور ساعاتي بترسية مشاريع بناء المستشفيات على شركات عالمية متخصصة لضمان إنجاز المشاريع في وقتها بدلاً من التأخير الحاصل، ويقول: “على الوزارة أن تستعين بشركات عالمية لبناء المستشفيات وفق خطط مدروسة وبشكل عاجل كي تستطيع أن تنشئ مستشفيات بشكل سريع وبجودة عالية. أما الاعتماد على مقاولين محليين فقط لكونهم محليين دون خبرة فهذا سيؤدي لتعثر المشاريع وتأخرها، وهو ما سيضع المواطنين في معاناة مستمرة مع الخدمات الطبية، فالمستشفى الذي يُبنى في شمال جدة لم ينته على الرغم من البدء فيه قبل 9 سنوات، وهو حال مستشفى بيشة في منطقة عسير المتعثر”.
البحث عن العلاج في الأردن
ومن جانبه، يكشف الكاتب الصحافي بجريدة “الوطن” صالح الشيحي عن معاناة سكان المناطق غير الرئيسة مع توافر العلاج، كاشفاً أن أهالي المناطق الشمالية يضطرون للسفر للأردن بحثاً عن العلاج غير المتوافر في مناطقهم، مؤكداً أن حادثة حائل تكشف حقيقة تراجع الخدمات الطبية في المدن الصغيرة.
ويقول وفقا لـ”العربية.نت”: “ما حدث في حائل يعطينا إشارة إلى أن الوضع الصحي خارج المدن الرئيسية لايزال يحبو، وكما هو ولم يطرأ عليه أي تحسّن حقيقي”.
ويتابع: “نعم هناك مستشفيات وبدأت الوزارة في بناء منشآت ولكن المنشآت لا تعالج مريضاً، وهي وحدها لا توفر خدمة صحية، فعندما تخرج من الرياض أو جدة والدمام ستجد في بقية المناطق مستشفيات دون أيدٍ عاملة ولهذا تكثر الأخطاء الطبية والمشاكل الصحية، وإقبال الناس على المدن الرئيسية للهجر بحثاً عن الصحة”.
ويشير الشيحي إلى أن ما حدث في مستشفى حائل أمر معتاد، ويقول: “ما حدث في حائل أمر طبيعي جداً، وامتداد لما يحدث في الحدود الشمالية وفي الجوف، وما يحدث في أغلب المناطق، تتوافر فيها المباني الصحية ولكن لا تتوافر فيها الكفاءات الطبية”.
ويضيف: “مشكلة وزارة الصحة مع المناطق غير الرئيسة أنها اعتقدت أن توفير المنشآت الصحية سيحدّ من تردّي الخدمة الصحية، وللأسف هذا أمر غير حقيقي”.
ويستغرب الشيحي من غياب التفكير الاستراتيجي لدى المسؤولين في الوزارة، ويقول: “الآن الوزارة غير قادرة على خدمة الـ5% المحتاجين للعلاج الآن، فماذا ستفعل بعد سنوات عندما يزداد عدد المحتاجين للصحة؟ هناك خلل في وزارة الصحة، فتم صرف عشرات المليارات عليها ومازلنا لا نجد أسرّة ولا أطباء”، ويتساءل: “هل هناك من يستفيد من تردي الوضع الصحي في البلد؟ هل هناك من يريد أن يدمر صحة المواطنين؟ لابد أن يبحث عن الخلل في وزارة الصحة وعلاجه”.
ويكشف الكاتب السعودي عن أن سكان المناطق الشمالية اعتادوا السفر إلى الأردن للعلاج، وأن المستشفيات الأردنية باتت تعتمد على المريض السعودي، ويقول: “حائل مثلها مثل أغلب مناطق الشمال مازالت تعتمد في العلاج على الأردن”.
وينوّه الشيحي إلى أن أي منقطة ليست ضمن المناطق الرئيسة الثلاث، الخدمات الطبية فيها هي دون المستوى، ويتابع: “في حائل ومن الحدود الشمالية والجوف يبحثون عن الخدمات الطبية خارج المنطقة، سواء في الرياض او خارج الحدود في الأردن، ولهذا تجد أن كثيراً من المستشفيات الأردنية قائمة على المرضى القادمين من السعودية، وعمودهم الفقري هم المرضى السعوديون القادمون من الشمال، لأن وزارة الصحة السعودية قامت بتوفير المباني فقط ولم توفر الكفاءات الصحية اللازمة لتشغليها.. فلا يوجد استشاريون متخصصون”.
ولا يعتقد الشيحي أن تكون استقالة الدكتور النخيلان الأخيرة في ظل الأوضاع الحالية ستكون الأخيرة، ويقول: “أعتقد أنها الحالة الأولى ولن تكون الأخيرة. أحياناً الإنسان عندما ييأس من تحسّن الوضع الصحي ينأى بنفسه عن الملامة وبالذات المسؤولية الاجتماعية”.[/B]