للبدوي في حياته علاقة حميمة بالناقة منذ الأزل، فهي ركوبه ومشربـــه وزاده وعدتـه إذا جفت منابع المـــاء وغـارت الشهب، لذلك كانت زينتهم وفخرهم رمـزاً للعز والقـوة، تدفع لإثبات السلم في الديات والعشور والمصالحات، وتـدق بسببهــا طبـول الحرب والإغارة ، يدللونها كما يدللـون بناتهـن الأثيرات، ويذرفـون الدمع عليها، ومن هذا المنطلق ترتبط الإبل كلياً بأصحابها وتستطيع تمييز أصواتهم.
وقد أصلت الثقافة العربية لحداء الإبل شعراً وموروثاً شفاهياً متناقلاً، حتى أصبـــح حادي العيس رسول غرام يبلغ تحايـــا العاشقــين لربــــات الخـــدور على هوادجهــــن، وهي تتمايل في سيرها .
ويعد أسلوب “الصيحة” أو “التدوية” مناداة الإبل بأسمائها خلال وقوفها أمام لجان التحكيم من الأساليب المتعارف عليها في مزايين الإبل، والمسموح بها حيث يقف كل صاحب ناقة مشاركة في المسابقة بمناداة ناقته باسمها أو الاسم المعتادة عليه من خارج أسوار موقع التحكيم حتى يلفت انتباهها عندما ينتابها الخمول والكسل وتخفض رأسها وتختفي مواطن جمالها، فتنشط الناقة بعد سماع الصوت وترفع رأسها بحثاً عن صاحبها فتبرز جمالها أمام لجنة التحكيم فيضمن صاحبها حصولها على جميع نقاط الجمال الموجودة في ناقته.
وعلى الرغم من أن أصوات المشاركين تتعالى من خارج أسوار موقع التحكيم كل ينادي على ناقته فتتداخل الأصوات وتختلط الحروف ببعضها فلا يكاد يميز الجمهور الأسماء التي يناديها أصحابها على إبلهم، فهذا يصيح بشكل متقطع وآخر ينادي “هي مرغوبة”، وآخر يصدر أصواتاً غير مفهومة، وثالث يصدر صفيراً مصحوباً باسم ناقته وأصوات غريبة وكلمات متداخلة موجهة نحو إبله، ومع ذلك تعرف كل ناقة صوت صاحبها وتميزه من وسط هذا الكم من الأصوات والأسماء.
وإذا كانت الإبل تتميز بقدرتها على تحديد صوت صاحبها بدقة متناهية من بين جميع الأصوات، فإنها كذلك تتميز بعدد من الخصال والصفات الأخرى ومنها قوة الذاكرة حتى أنها لا تنسى موطنها الأصلي الذي تربت فيه ولو بعد سنين طويلة حيث تستطيع العودة إليه بكل يسر وسهولة.
ومن غرائب الإبل أن صغيرها يستطيع العودة إلى آخر مكان رضع فيه الحليب من أمه في حال ضياعه، كما أن الإبل لديها قدرة عجيبة على معرفة أماكن تجمعات المياه أو نزول الأمطار والأراضي المعشبة لما تتمتع به من حاسة شم قوية.
وتصدر الإبل أصواتا كثيرة تختلف باختلاف أحاسيسها ومشاعرها وما تريد أن توصله لما حولها من ابل او بشر، وهي تعكس مدى احساس الابل وتقلب أمزجتها وأحوالها النفسية.
والعربي بما عهد عنه من دقة ملاحظة ونباهة عقل فقد استطاع أن يميز هذه الاصوات، وجعل لها في اللغة العربية مسميات فصيحة، ومن هذه الأصوات على سبيل المثال لا الحصر
الزغرودة:
وهو صوت فحل الإبل عند فرحة أو اعتزائه بقوته، وقد درج هذا الإسم لتسمية صوت البشر عندما يفرحون أيضا بما يسمى في التراث الشعبي زغرودتة أو زغرودة وهو تقليد للإبل في هذا الشأن، ويقول صاحب معجم لسان العرب: “الزغردة”: صوت البعير يردد هديره.
الرغاء
صوت تعبر به الإبل عن الفزع والتضجر.
الضبح
صوت إصدار الهواء عند الفزع بلا رغاء
الحنين
صوت تعبر به الإبل عن احساسها فتحن اذا فقدت حوارها ويحن الحوار إذا فقد أمه وتحن الإبل إذا تفرقت وفقد بعضها البعض خاصة إذا كانت متآلفة وتحن إذا رأت أصحابها وتحن الإبل إذا عطشت.
الإرزام
نوع من الحنين ولكن فيه تعبير مختلف في ترديد الصوت وعادة يكون منخفضاً قليلاً وكثيراً ماترزم الإبل عند العطش.
الإهجال:
هو نوع من الحنين فيه تعبير أكثر وكثيراً ما تهجل الخلوج .
الجرجرة:
صوت البعير من حنجرته عند الضجر.