يعد تاريخ الصوالين الأدبية والمجالس الثقافية في بلادنا إرث أصيل وثقافة ناهضة متجددة لأسر عريقة اهتمت بالمعرفة، وأشرعت أبوابها لاحتضان أربابها، وفي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم تطل “ديوانية آل رفيق الثقافية” العامرة بروادها، وفية لجذورها التاريخية التي تعود إلى القرن الثالث عشر الهجري حينما برز أحد أجداد الأسرة المحدث والفقيه الحنفي الشيخ عبدالغني المجددي الدهلوي -رحمه الله- صاحب حاشية “إنجاح الحاجة” على سنن ابن ماجة، متصدراً للتدريس يحيط به طلبة العلم حتى أصبح مقصداً ومرجعاً لكثير من علماء المدينة المنورة.
وبعد وفاته سنة 1296هـ، قصد طلبة العلم ابنته أمة الله التي عمرت طويلاً حتى جاوزت في عمرها قرناً من الزمان، التي عرفت بالأدب والعقل الراجح، تذكر بحافظتها القوية أسانيد الكتب طبقة بعد أخرى، وتجيز من يأخذ عنها، ويستكمل حفيدها محمود بن أحمد رفيق الصلة بإنشائه الديوانية الثقافية لتكون منارة بارزة، ومعلماً مهماً مشرعاً الأبواب نحو مستقبل معرفي، وفكر ثري، يحيك الثقافة، ويصنع الأدب يعنى بالمؤرخين والعلماء والمختصين في فنون متعددة، ومنحازاً إلى فلسفة فكرية جادة، موثقاً لإنتاجهم ومحتفياً بهم، مستحثاً دور الثقافة العتيقة والمتعددة في البلدة الطيبة؛ لبذل جهد مضاعف في خدمتها .
مشيراً في حديثه إلى أن الديوانية أوسع وأكبر من اختزالها في خط ثقافي أو فكري محدود بل مساراتها متنوعة،فهي تهتم بالجوانب الرياضية والاقتصادية والفنية، فهي بين الحين والآخر تفاجئ روادها بإنتاج أفلام وثائقية أو تدشين مؤلفات جديدة ” .
كل ذلك يأتي مقاربة لمناشط هذه الدار الأدبية الرصينة التي ضمت في ملتقاها الأسبوعي شرائح وأطيافاً من المثقفين من أبرزهم: د. أحمد بن محمد علي رئيس البنك الإسلامي سابقاً، والجراح العالمي د. أحمد عابدين ملا، وعزت خطاب أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة الملك سعود سابقاً، والدكتور عبدالعزيز قارئ رئيس لجنة طباعة المصحف الشريف سابقاً، والدكتور عمر فلاتة المدرس بالمسجد النبوي. كما كان للديوانية قصب السبق في توثيق وطباعة إنتاجية المهتمين بالموروث الثقافي والشعبي والاجتماعي للمنطقة.
ومن بين تلك الأسفار المهمة “سفر برلك” للدكتور سعيد طولة، والذي يحكي تاريخاً يقطر ألماً حول تهجير أهل المدينة أواخر العصر العثماني، وفضائل بقيع الغرقد للمؤرخ المعروف د. تنيضب الفايدي، وكذلك “المدينة المنورة خلال العهود الثلاث”، للباحث الشهير أحمد مرشد، ورواية باب المجيدي للكاتب أيمن زاهد، بالإضافة إلى كتب أخرى تهتم بتاريخ وتراث مدينة النبي صلى الله عليه وسلم .