لم يدر بخلد المواطن الفلسطيني والمصور الصحفي رامي فتحي أن هوايته التي تعلق بها شغفآ ستكون يومآ ما سببآ مباشرآ لمقتله على يد جنود الإحتلال الصهيوني ، ليأتي اليوم الذي وُجد صريعآ بجانب “كاميرا” وقد تحطمت واختلط دماءؤه مع القطع المتناثرة للعدسات.
يقول الأب المكلوم من مخيمه في مشعر منى بعد أن منّ الله عليه بتأدية فريضة الحج : أنا من سكان غزة ، وعمري 68 عامآ ، تزوجت ولَم يرزقني الله بالمولود الأول “رامي” إلا بعد 14 عامآ من العقم ، وظللنا فرحين به حتى راح ضحية “رامي” إسرائيلي وبقي هذا الجرح لايندمل بسبب حاجتنا الماسة له في مواجهة ظروف الحياة خصوصآ أنني زوّجته في سن مبكرة وأنجب منها ولدين وبنتين.
وبوجع الفقد يروي “فتحي” قصة الإعلامي “رامي” قائلآ : ينتسب إبني لمؤسسة “بيت الصحافة ” ، وكانت والدته تحاول ثنيه عن هذه الهواية التي أصبحت مهنته فيما بعد ، إلا أنه كان يردد كل مرّه : لابد نكشف للعالم جرائم الصهاينة ..لن نسكت عن ممارساتهم.
ويضيف ، ظل الإبن يتنقل بكاميراته التي تتطور عامآ بعد عام حتى أصبحت ملحقاتها كثيرة ، وبدأ يرصد قصصآ متنوعة لبطولات أبناء فلسطين ، وشاهدنا تصويره يتصدر وكالات الأنباء العالمية والقنوات الفضائية والصحف طيلة عمره الصحفي ، وأصبح هدفآ لليهود بعد أن حاولوا حجب الصوت والصورة بقتل الإعلاميين وترويعهم.
ويصف “فتحي” اليوم الذي قصم ظهره بعد أن “بلغ من الكبر عتيا” ، وتحديدآ قبل 3 سنوات إبان إنتفاضة “الشجاعية” ، حيث خرج “رامي” مودعآ والديه وأبناءه لرصد العدوان مستغلآ هدنة الـ3 ساعات التي حددها العدو ليتسوق الناس ؛ إلا أنها كانت هدنة الغدر حيث غار العدو بكل عتاده على الناس ، وكان “الإبن” يرصد آثار الدمار، وفِي أثناء مرحلة التوثيق جرى الهجوم عليه بقذيفة مباشرة وسقط أرضآ يجانب الكاميرات التي كان يحملها ، فيما هرب الأهالي لمنازلهم وتم نقله إلى المستشفى فورآ.
وعن معرفته بنبأ إستشهاده قال : كنت جالسآ في البيت ،وزوجتي تسمع الأخبار من الراديو ، وأخبرتني أن هناك معركة بالشجاعية ، قلت لها “أغلقي “الموجة” بلاش يرتفع علي الضغط والسكر” ، وفي هذه الأثناء إتصل بي إخوتي الذين لديهم كهرباء ويشاهدون التلفزيون ، ويطمئنوا علي لأني وحيدآ وولدي دائمآ في الميدان ، وفجأة خرجت للشارع ووجدت الجيران أمام بيتي، وأخبروني أن “رامي” مصاب في قدمه.
وتابع الحاج “فتحي” بدموع تزاحم ألم الذكريات ، توجهت للمستشفى وفِي الطريق استوقفني عسكري يعرفني ، وقال : “البقية في حياتك..ابنك استشهد ” ، حينها فقدت الوعي ، ووجدت نفسي بالمستشفى والأطباء بجانبي ، وهناك تأكدت من استشهاد ابني ذو الـ26 عامآ ، وأظلم منزلنا مجددآ ، وأصيبت والدته بالضغط والسكر ، وأصبح الألم هو حالنا منذ 3 سنوات.
واليوم ينتزع خادم الحرمين الشريفين شيئآ من ذلك الحزن العميق ، بعد أن ساهم في حجنا وزوجتي لأول مره، وفِي الحج لاتغيب دعواتنا للملك سلمان وإبننا الشهيد الذي راح فدى الأقصى.