ضمن أنشطة ملتقى رواد ومواهب اليومية والمتنوعة ضيف الحوار هذا اليوم الأستاذ راشد بن دشن.
يمتلك الأستاذ راشد بن دشن مكتبة ضخمة تجاوز الثلاثة آلاف كتاب أجري معه حواراً تم من خلاله المناقشة حول المكتبات والكتب والقراءة،
-في البداية أستاذ راشد هل لنا ببطاقة تعريفية بشخصك الكريم؟
-راشد ابن دشن القحطاني من مواليد منطقة عسير سنة ١٣٩٧هجري ، متزوج ولي أربعة أبناء ولله الحمد والمنة ..
–تمتلك مكتبة ضخمة، مجموعة من الأحبة تتشارك نفس المكان،
كيف بدأ التعلق وما الذي أشعل جذوة الحب الأولى؟ أخبرنا عن البداية.
-كلمة ضخمة يستحقها الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد، أما مكتبتي فلا تعدو كونها مكتبة متواضعة تم تجميعها على مدى خمسة عشر عاماً، ولم يدر في خلدي أن أُسأل عنها في يومٍ من الأيام، ولكن أقدارنا تسيرنا.
بداية دخولي الوظيفة كانت في نفس فترة دخول الانترنت للمملكة؛ وكان ذلك عام سبعة وتسعين ميلادي وكنت من ضمن من أبهر بهذه التقنية الوليدة والجديدة ودخلت كما دخل الجميع عالم المنتديات وبداية الحوارات الفكرية، ومن خلال قراءتي الأولى لهذه التجربة وجدت أني أحوج ما يكون للقراءة قبل الكتابة، وأن الكتابة المؤثرة والمثمرة عمل جبار. واقتنعت بأن الإنسان إذا أراد أن يكتب كلمة فعليه بقراءة ألف كلمة .. من هنا كانت البداية ..
-إذاً قرأت لأنك أردت ذلك.. كانت المسألة قرار واختيار؟
-مؤكد، ونجاح الإنسان في هذه الحياة منوط بجرأته على اتخاذ القرارات الصعبة ..
-بدأت الطريق سيراً على قاعدة إذا أردت؛ يجب عليك. فهل اختلفت علاقتك بالكتب مع مرور الوقت؟
-انتقلت من مرحلة إلى مرحلة، وواجهت نوعاً من الاستهجان أحياناً ولكن الأيام ونتاج ما تم تحصيله واختلاف مستوى التفكير وطريقة الحوار وزخم المعلومات، بدأ يرسم طريقي في عيون من حولي على أقل تقدير ، وهذه سمه بشرية مكروهه ، يسخرون منك في البداية وعند نجاحك يصفقون لك بحرارة ، ومن يريد أن ينجح يجب أن لا يلتفت لأي صوت مثبط .. إن الحديث عن الكتب حديث يشعل الحماس في الروح .. مع مرور الأيام أصبحت القراءة وجبة ملازمة لي بشكل يومي وتحولت إلي متعة وفائدة وعلاج نفسي ، في القراءة هروب مع الكاتب إلى عوالم جديدة ..
–دعنا نعرج قليلاً إلى الكتب..
ترى في القراءة هروباً إلى عوالم أخرى؟
ما نوع هذا الهروب
شغفاً، احتياجا، اكتفاء أم عادة؟
-كلها تجتمع، ولكل مسار فكري هويته، ومذاقه الخاص ..
-هل هناك نوع معين من الكتب تحرص على اقتناءها؟
-من المفارقات المثيرة أن قراءتي كانت شمولية ولا تزال، وباعتقادي لو تم التركيز على مجال محدد لكان هناك حصيلة ممنهجة، وغزارة أكثر، التخصص جميل .. وعلى الصعيد الآخر هناك من يرى أن الشمولية والتنقل من مسار إلى مسار أجمل وأشمل ..
–جميل، لكن ألا يميل قلبك ليرسو على شاطئ دون آخر،
لون تفضله على غيره وتستمتع بقراءته؟
-الكتب التي أحرص على اقتنائها كتب المذكرات والسير الذاتية، فيها الكثير من الإلهام واستنساخ التجارب والاستفادة منها ..
-عند شراءك للكتب، ما أهم ما يلفت نظرك ويشدك للكتاب؟
وما هو أول ما تبحث عنه “أسم كاتب بعينه، دار نشر أو غير ذلك؟
-الجديد المثير. مع ترددي على المكتبات بدأت أعرف الكتب الجديدة والتي لم أقرأها من قبل. وفي بعض الأحيان من خلال الإعلام وما يلفت نظري من كُتاب، وبعض الكتب المثيرة.
هي حلقة متصلة تقرأ في كتاب ما وتجد الكاتب يعرج على موضوع محدد وأنت لا تعلم عنه ويأتي في سياق طرحه .. تقف هنا وتبحث عن الحلقات المفقودة لتكمل الصورة وتخرج بتصور مكتمل وشامل عن أي موضوع أنت بصدد بحثه أو قراءته ..
-هل ترى أن الكِتاب نفسه، غلافه، نوعية الأوراق، وحجم الخط أمور تؤثر في اختيارك كقارئ؟
-بالنسبة لي الرتوش لا تهم كثيراً، وفِي مرات عديدة لم يتسنى لي سوى نسخة مصورة من بعض الكتب وأشعر بشيء من العاطفة تجاهها ..
القيمة للأفكار ، والأفكار فقط ..
ماذا عن كتب الـPDF هل تحمل نفس الولاء اتجاهها أم أن الأمر يقتصر على النسخ الورقية منها؟
-لن تجدي في هاتفي أي ملف من هذه الملفات .. الكتاب يضل هو سيد الاقتناء ، ومنهل الفهم والثراء .. لست ضد استخدام التقنية، ومجانية القراءة، ولكن جرت العادة أن الكتاب الورقي هو أستاذي الكبير ..
-إذاً، ينتصر الورق؟
-دائماً..
-هل خضت تجارب استثنائية، كتب لا تنسى حفرت أخاديداً في ذاكرتك؟
-سؤال يفتح ذاكرتي ويجعلني في خانة محرجة وأبتعد عن الإنصاف. في كل كتاب شيء مفيد كثر أو قل، وليس هناك كتاب بعينه له هالة خاصة في ذاكرتي .. كل كتاب يستحق الإشادة والإحترام ..
أنا هنا أتكلم عن ذاكرتي .. وعندما أتكلم عن الكتب بشكل عام فهناك كتب لا تستحق الذكر ولا العناء ولا الاقتناء ..
-ألم تحزن لفراق كتاب؟
-حزنت كثيراً .. من المؤلم أن تعير أحداً كتاباً نادراً وله قيمته، ويخرج منك ولا يعود .. ولا يعود ..!!
-هذه إحدى المشاكل التي تواجهك كصاحب مكتبة خاصة، هل هناك مشاكل أخرى تندرج على القائمة؟
-الشهادة لها قيمتها .. والناس تهتم كثيراً للمظاهر ، ولا يهتمون لجوهر الإنسان وقيمة ما يحمل في داخله. في البدايات كنت أعاني من عدة أمور ..
حماسي في الحوارات ..
إيماني ببعض الأفكار ..
الجدال المستمر ومحاولة إيصال ما لدي ..
وبفضل من الله ومع تقدم العمر، واختمار التجربة، وازدياد الوعي وصلت إلى قناعات جديدة ومفيدة لي ولغيري .. الاستماع وحسن الإصغاء ، وتقييم من تتحدث معه واستيعابه يريحنا ويريح الآخرين ..
وفي النهاية الوعي أحيانا يتعب الإنسان ..!
-تعتقد أن لوجود المكتبة في المنزل تأثير على أبناءك وتوجهاتهم؟
-مؤكد! وأرى أن البنات أكثر اهتماما بالقراءة من الأولاد .. ومنذ نعومة أظفارهم والكتب تحيط بهم من كل جانب ..
-هل للقراءة عندك طقوس معينة إكسسوارات.. كفنجان قهوة أو توقيت معين؟
-لا شيء من هذا ..لكن الوقت المفضل للقراءة من بعد العشاء حتى النوم ..
–هل تقرأ كتابين معاً؟
أما انك لاتبدأ قراءة كتاب جديد إلا بانتهاء سابقه؟
-بعض الكتّاب يشترط عند قراءته صفاء ذهني، وتركيز عالٍ، وهؤلاء الكتاب ينفردون بالقراءة .. وهناك مرات عديدة أقرأ مجموعة من الكتب في نفس الفترة ..
-تنظم الشعر، هل للأمران علاقة ببعضهما البعض؟
-أكيد، ما تقرأه .. يخرج من ثنايا ما تقوله برضانا أم غصب عنا .. في الأفكار .. وفِي اللغة .. وفي جميع مخرجاتنا .. شعراً ونثراً وفكراً ..
-هل هناك طموح وتصور مستقبلي لمكتبتك؟
-مستمرة على حسب وتيرة الحياة، وظروف العمل، ولكني لا أشتري الكتب بكميات كبيرة. لابد أن أنجز ما لدي، وبعدها نبحث عن جديد..
-شكراً لك أستاذ راشد على هذا اللقاء الممتع والجميل، هل من برقيةٍ أخيرة؟
-في النهاية أشكر لك هذا اللقاء كما أشكر الأستاذ العزيز فيصل المسعري صاحب هذه الفكرة. وخلاصة ما أريد قوله في نهاية هذا اللقاء ..إن قيمة المكتبة ليست بكثرة الكتب فيها، القيمة الحقيقية هي غزارة الكتاب وقيمته الفكرية أولاً، وثانياً مدى ما نستفيده من القراءة الجادة والمركزة ..
أسأل الله لي ولكم التوفيق والنجاح إنه على كل شيء قدير ..
*****
نشكر الأستاذ راشد بن دشن لإتاحة الفرصة لنا للنهل من نبعه النابض علماً ومعرفة، فقد أغنانا بتجربته الجميلة والمتميزة، ونتمنى المزيد من التوفيق والنجاح لشخصه الكريم.
أجرت الحوار بيسان عناب