أكد مدير عام السجون اللواء إبراهيم بن محمد الحمزي، في كلمته بمناسبة أسبوع النزيل الخليجي الموحّد الخامس، “شهد مفهوم السجن نقلة نوعية في تطور أهدافه وفلسفة أعماله في شتى بقاع العالم، ما نتج عنه تطور في نظرة المجتمعات الإنسانية للعقاب ونظرياته ، ويظل النزيل بالمؤسسات الإصلاحية والتأهيلية هو محور العمل بها ، لا سيما أنها تقوم على وجوده وخدمته ورعايته ، حيث تقدّم جميع البرامج التي تهدف إلى عودته صالحاً نافعاً لمجتمعه ، فالمؤسسات الإصلاحية عامةً هي مؤسسات أمنية اجتماعية إنسانية ، وتقوم بأعمال تكاملية في كافة الجوانب” . والمديرية العامة للسجون خطت خطوات تطويرية في ذلك ؛ من خلال إعداد الخطط والبرامج المرتكزة على ثوابت علمية وعملية تكفل إعادة تأهيل النزلاء والنزيلات ، بالإضافة إلى تأهيل منسوبينا وتطوير أداءهم للمهام والواجبات الوظيفية بالتدريب والابتعاث داخل المملكة وخارجها ، ومن هذا المسعى الحثيث في تقديم برامجنا الإصلاحية والتأهيلية للنزلاء والنزيلات على حدٍ سواء ؛ لن يكون لتلك البرامج أثر ملموس ما لم يتفاعل المجتمع الخارجي إيجابياً مع هذه الفئة ، ويشاركنا مسؤولية احتوائهم والأخذ بأيديهم إلى حياة جديدة ملؤها الأمل والطموح . المجتمع شريك رئيس في عملية الإصلاح والتأهيل المنشودة ؛ حيث أن من يعيشون خلف قضبان السجن هم آباء وأمهات وأخوان وأخوات وأزواج وزوجات ، يرتبطون بأسر يتوقون لعودتهم صالحين ، فهم بحاجة أكيدة إلى مساندتهم من خلال تعديل النظرة السلبية تجاه النزيل وأسرته ، ومنحهم فرصة جديدة بمواصلة حياتهم الاجتماعية بشكل مستقر وهادئ . ومن مبدأ اتصال النزيل والنزيلة على حدٍ سواء بالمجتمع الخارجي ، تنطلق حملة أسبوع النزيل الخليجي الموحّد الخامس تحت شعار “معاً لتحقيق الإصلاح ” ؛ التي تحمل في مضمونها رسائل سامية في مفهوم تحقيق الشراكة المجتمعية الإصلاحية عبر مد جسر من المحبة والمودة لإخواننا وأخواتنا النزلاء . تأتي هذه الحملة بمباركة ورعاية سمو سيدي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز حفظه الله الذي لا يألوا جهداً في سبيل تقديم كل الدعم لما من شأنه تطوير الأجهزة الأمنية، ورعاية سموه يحفظه الله لهذه الفعاليات المباركة بإذن الله تعالى دليل وتأكيد على حرص سموه الكريم على مشاركة أبناءه نزلاء ونزيلات السجون آلامهم وآمالهم وكذلك رعاية أصحاب السمو الملكي أمراء المناطق ، كما نثمن الدور الذي تقوم به كافة مؤسسات المجتمع العامة والخاصة في تفاعلها الدائم ، وتقديم خدماتها المساندة للعمل الإصلاحي المقدّم للنزلاء والنزيلات ، مرحبين في الوقت ذاته بزيارة وفود المؤسسات الإصلاحية في دول مجلس التعاون الخليجي للمملكة العربية السعودية ، ويحدونا الأمل لممثلينا في زيارة المؤسسات الإصلاحية بدول مجلس التعاون الخليجي للاستفادة من تجاربهم المتميزة وعرض تجاربنا التأهيلية والإصلاحية والإنجازات التطويرية التي تحققت للمديرية العامة للسجون ، متمنين أن تحقق هذه الفعاليات الأهداف والطموحات التي نصبوا إليها جميعاً ، وأن تتظافر كافة الجهود عبر تفاعل أفراد ومؤسسات المجتمع للتعريف بالفعاليات ونشر رسالتها”.
جاء ذلك خلال احتفاء المديرية العامة للسجون صباح اليوم بإنطلاق فعاليات أسبوع النزيل الخليجي الموحد الخامس خلال الفترة من 26ـ29/3/1438هـ الموافق 25ـ28/12/2016م تحت شعار ” معاً لتحقيق الإصلاح ” ، إنفاذاً لتوصيات الاجتماع الثامن عشر لمسؤولي المؤسسات العقابية والإصلاحية بدول مجلس التعاون الخليجي، المتوج بموافقة أصحاب السمو المعالي لوزراء الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم التاسع والعشرون على إقامة أسبوع توعوي موحد للنزيل على مستوى دول المجلس وذلك بهدف : إبراز أهمية احتواء ورعاية نزلاء السجون والإصلاحيات من قبل كافة شرائع المجتمع والعمل على الأخذ بأيديهم إلى سبيل الصلاح.
ـ حماية المفرج عنهم من التعرض للنبذ الاجتماعي والأسري.
ـ إشعار المجتمع بمعاناة السجناء ورعايتهم وحمايتهم من الانحراف نتيجة غياب عائلهم وتعرضهم للوصم الاجتماعي والتحقير.
ـ توعية السجين للحيلولة دون وقوعه في براثن الجريمة مرة أخرى.
وأكد المتحدث الرسمي للمديرية العامة للسجون العميد الدكتور أيوب بن حجاب بن نحيت، أن السجون تهدف في الأساس إلى تحقيق عناصر الردع الخاص والردع العام، والنظريات الاجتماعية أكدت على أن للسجين مجتمعاً خاصاً أدى إلى نشؤ ما يسمى بـ” ثقافة السجن” Prisonization ، وهي بمثابة السلوكيات المتكررة والدائمة المرتبطة بهذا المجتمع ونزلائه، كما يشير مفهوم ثقافة السجن إلى : ” أسلوب الحياة الذي يميز مجتمع السجن عن غيره بما يحوي من عادات وأعراف وقوانين وقيم ومعايير قام النزلاء بتطويرها بأنفسهم، وهي متميزة تماماً عن تلك السائدة في المجتمع الكبير ” وتظهر عادة ثقافة السجن لأسباب أهمها إشتراك نزلاء السجون بقيم خاصة تناهض المعايير الرسمية المتفق عليها والمقبولة لدى عامة المجتمع، وكذلك فإن التفاعل والإتصال بين النزلاء ينتج عنه إحساس بالتجانس والتوافق كإستجابة لمقتضيات التكيف مع الحياة الخاصة داخل السجن، بما تحويه من عزلة مجتمعية وظروف اجتماعية قاسية، الأمر الذي يجد معه النزلاء الحاجة للتكيف معها، وبالتالي الإستسلام لتداعياتها وآثارها السلبية، والتي من أهمها اعتناق النزلاء لقيم وأفكار خاصة بهم، وشعورهم بأن المجتمع غير مستعد لقبولهم ومنحهم فرصة أخرى لإعادة الاعتبار لأنفسهم اجتماعياً وأخلاقياً وهو ما يطلق عليه ” صدمة الإفراج “.
وأضاف بن نحيت، من هنا نسعى في المديرية العامة للسجون إلى تعويد النزلاء والنزيلات على مواجهة المواقف الصعبة في الحياة، بحيث نتعامل معهم على أنهم ضحايا ظروف نفسية واجتماعية معينة قادتهم إلى السجن، لذلك هدفت برامجنا والإصلاحية التي ينخرط فيها النزلاء والنزيلات خلال فترة عقوبتهم إلى المحافظة على ما لديهم من مواهب وقدرات وإمكانات بدنية وذهنية وتنميتها، وقبل ذلك فقد حرصنا على تهيئة البيئة الفيزيقية للسجون، والتي تمثل بيئة السجن بما تشمله من مبنى وحرارة واتساع مكاني وتوافر خدمات التعليم والتدريب والتغذية والصحة والتقنية وغيرها ؛ بما ينعكس على سلوك النزيل واتجاهاته في مختلف جوانب حياته ؛ لذلك حرصت المديرية العامة للسجون ومنذ وقت مبكر على التخطيط لتصميم وتنفيذ إصلاحيات نموذجية متكاملة، حيث تم ولله الحمد افتتاح باكورة هذه الإصلاحيات في كل من مدينتي الرياض وجدة كما تشاهدون، وكذلك يتم العمل حثيثاً على إعادة تأهيل بيئات السجون القديمة مثل سجن بريمان، الذي اعتبرناه تحدياً وأصبح واقعاً ملموساً ولله الحمد بعد أن صدر أمر صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية القاضي بإعادة تأهيله , وقد حظي بمتابعة حثيثة من لدن مدير عام السجون, حيث تم إنشاء صالة استقبال المراجعين والزوار للرجال والنساء مجهزة بكامل الخدمات التي يحتاجها المراجع والزائر من خدمات تقنية استعلامية وخدمات صحية ودورات مياه وعربات نقل ( القولف كار ) تدار بواسطة فريق عمل رجالي ونسائي إضافة الى تحسين المظهر العام للمنشأة بتخطيط المواقع الخارجية للسجن وتشغيلها وتوزيع المرافق بها واستحداث مناطق مزروعة بها ونوافير مياه وتسمية المباني ولوح توحيد الحركة لإرشاد المراجعين داخل الموقع وتنقل الزوار عبر مسارات حركة ذات ألوان ترشد الزائر لموقع الزيارة المخصص للنزيل التابع له ، وكذلك إنشاء البوابة الأمنية الذكية والتي تحتوي على نقاط فرز متقدمة وغرفة مدرعة مجهزة بمنصة إطلاق (360°درجة = المصدات الهيدروليكية الأرضية = الماسح الضوئي لقراءة وتصوير المركبات والسائق ولوحة السيارة من الأسفل ومختلف الجهات = مقر مجهز للفرقة المستلمة لتشغيل البوابة = وتأمين سيارة رشاش متواجد أمام البوابة في حالات الطوارئ .
تحسين بيئة العمل للعاملين :
وأشار بن نحيت، من خلال تهيئة سكن خاص بالأفراد المناوبين مجهز بكافة التجهيزات من مواقع نوم ودورات مياة وبوفية، تهيئة ملاعب خاصة للممارسة الرياضة خارج وقت الاستلام، تهيئة مجلس خاص بالضيافة للاجتماعات ( بيت شعر )، تخصيص غرف خاصة للمناوبين داخل الوحدات السجنية تتوفر بها كافة الخدمات، تأمين ثلاجات الخدمات الذاتية التي تتوفر بها الوجبات البسيطة يستخدمها العاملين وقت الحاجة، تأمين خدمات الإنترنت وتوصيله داخل السجن للعاملين، تأمين أجهزة صراف ألي يسمح بسحب مبالغ مالية داخل السجن وتحويل مبالغ لعوائل العاملين، بالضافة إلى تهيئة مبنى خاص بالعزل الطبي وتم توزيعه على شكل غرف وأجنحة خاصة لتوزيع المرضى حسب تصنيفات وزارة الصحة ( درن – إيدز – فيروسات) وكذلك تجهيز غرف (( الضغط السالب )) التي تقوم بفلترة الهواء وإعادة تنقيته بشكل صحي، وإعادة تهيئة المركز الصحي داخل السجن وفتح عيادات تخصصية جديدة مطابقة للعيادات بمستشفى قوى الأمن مثال (عيادات درن – جلدية – عيون _باطنية _ جراحة _ طب عام ) وتم تجهيز عدد 2 غرفة أشعة ومختبرات – عيادات أسنان .
كل ما نحتاجه هو وقوف المجتمع بكامل مؤسساته وأفراده مع إخواننا النزلاء وأخواتنا النزيلات وعدم وصمهم بالانحراف، لأن الشخص الذي يتم وصمه بالانحراف يبقى محط الأنظار، وبالتالي يعتاد الناس على الحذر منه، ما ينتج عنه تقمص الشخص ذاته لهذا الدور، مما قد يجتره إلى مستقبل انحرافي أشد وأنكى بدلاً من استقامته وتعديل سلوكه ايجابياً.
ومن هذا المنبر ندعو الجميع إلى الصفح والعفو عن كل من زلت به القدم كي نتشارك جميعاً إلى إعادة الأمل في روح النزلاء والنزيلات كي يقفوا مجدداً على طريق الفلاح والنجاح بإذن الله تعالى، فالإسلام لا يفترض في الإنسان أصالة الشر وديمومته، وإنما يقرر قابلية الانسان وإمكانية هداه إلى طريقي الخير والشر، فقد قال تعالى : ” وهديناه النجدين ” ويؤكد ذلك أن العقوبة في الإسلام لم تكن في الأصل لأجل العقوبة، وإنما هدفت العقوبة إلى مكافحة السلوك الانحرافي، وتعديله ايجابياً مع الحفاظ على كرامة الإنسان كما أن فتح باب التوبة والتشجيع عليها يحفز على الإستقامة مجدداً فقد قال المصطفى علية السلام ” كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابين ” .