ألقى فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط إمام وخطيب المسجد الحرام خطبة الجمعة لهذا اليوم موصياً المسلمين بتقوى الله، فتقوى اللهِ خيرُ زادٍ يصحَبُ المرءَ في سَيْرِه إلى اللهِ، وأعظمُ عُدَّةٍ ليومِ الشِّدَّةِ، وأرجى مَنْجَاةٍ في أخراهُ، وأبقى ذُخْرٍ حينَ يلقى مولاه.
وذكر فضيلته إنَّ الحياةَ في رِحَابِ الدِّينِ هي: الحصنُ الحَصِينُ، والدِّرْعُ المتين، والركن الشَّديد، الذي يأوي إليه المسلمُ، ويثوب إليه؛ ليحظى بطِيبِ العَيْشِ في دُنْياه، والسَّعَادَةِ والنَّجَاةِ في أُخْرَاه.
وذلك أنَّه الضِّياءُ الذي يقذِفُه اللهُ في قلب الـمُسْلِمِ، فينظرُ إلى الحقائق بنور الله، فيهتدي إلى الجادَّة، وَيَسْلَمُ من العِثارِ في سيره إلى الله، كما قال سبحانه:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للإسلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} الآية.
ولذا؛ فإنَّ من لوازمِ ذلك وضروراتِه حفاظَ المسلم على دينه، واعتزازَه به، وحمايتَه من الزيف والأباطيل، وصيانتَه من الأضاليل، والتَّجافي به عن الفتن، بالنَّأي به عن العقائد الفاسدة، والاتجاهات الضالَّة، والمبادئ الإلحاديَّة التي تَهدِمُ ولا تبني، وتُضِلُّ ولا تهدي، وتمحقُ ولا تُرْبي، والتي أصبحَ لها اليومَ سوقٌ نافقةٌ، وأبواقٌ ناعقةٌ، وسُبُلُ غِوَايةٍ، ومسالكُ هدمٍ وتخريبٍ لا منتهى لها، ولا حدَّ يَحُدُّها، ومَوجاتُ مدٍّ عاتيةٌ تولَّى كِبْرَها دعاةُ ضلالٍ يَلْبِسون الحقَّ بالباطل، بزُخرُف القولِ، وانتهاج سبيل التشكيك في كلِّ شيءٍ، حتَّى فيما استقرَّ في الفِطَر السَّليمةِ صوابُهُ، ورسَخَ في النُّفوسِ القويمة صلاحُهُ، وقامتْ على ذلك دلائلُهُ وحُجَجُه وبراهينُهُ من محكماتٍ وقطعيَّاتٍ، مستخدمين ما وفَّرتْه تِقْنِيَاتُ العَصْر من قنواتٍ ومواقعَ وشبكاتٍ، وغير ذلك ؛ أملاً في مدِّ رِوَاقِ الباطلِ، واغبرار وجه الحقِّ.
وأَشَار فَضِيلتَه أَنهُ قَد فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أنه قال: “كان النَّاسُ يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر مخافةَ أن يُدركني، فقلتُ يا رسول الله! إنَّا كنَّا في جاهليَّة وشرٍّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟! قال: نعم. فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دَخَنٌ. قلتُ: وما دَخَنُه؟ قال: قومٌ يستنُّونَ بغير سنَّتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتُنكر. فقلتُ: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم. دعاةٌ على أبواب جهنَّم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلتُ: يا رسولَ الله، صفهم لنا! قال: نعم. قومٌ من جلدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا. قلتُ: يا رسولَ الله! فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. فقلتُ: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أنْ تَعَضَّ على أصل شجرةٍ، حتَّى يُدركك الموتُ وأنت على ذلك”.
وفي الحديث: دلالةٌ على أنَّ الأمَّةَ إنْ لم تُعْنَ بدينها وعقيدتها، ولم تَسْعَ جاهدةً للحفاظ عليهما؛ فإنَّها تُعْرِضُ عن أشرف الحقائق وأعظمها، وهي حقيقةُ صلةِ العبد بربِّه، القائمةِ على العدل في معاملتِه، بتحقيق الغاية من خلق العباد:{وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإْنْسَ إلا لِيَعبُدونِ}.
فشَرطُ قبولِ هذه العبادة: ألا يُعبَدَ إلا اللهُ، وألا يُعبدُ اللهُ إلا بما شرع.
والحفاظُ على دين الله: يستلزمُ صونَه من شوائب الدَّخيلِ المُبتَدَعِ الذي لا أصلَ له، في كتابٍ ولا سنَّةٍ، ولا عمل سلف الأمَّة.
ويستلزمُ أيضًا: حمايتَهُ ممَّا نسبَهُ إليه أهلُ الغلوِّ والتنطُّع وأصحاب فتنة التكفير؛ لينصُروا بذلك بدعتَهُم، وليقووا به باطلَهُم، وليذكوا به نارَ فتنتهم التي أعقبتْهُم جُرْأةً على الدَّمِ الحرامِ لا حُدودَ لها، واستباحةً للأنفس المعصومة التي حرَّم اللهُ إلا بالحقِّ.
والحفاظُ على الدين يستلزم أيضًا: حمايتَه وصيانتَه من موجات الإلحاد العاتية، بالوقوف في وجه دعاتها، وصدِّ باطلهم، وردِّ شُبَهِهِم، وإماطةِ اللثام عن وسائل كيدهم للإسلام وأهله عامَّةً، وللشباب وحُدَثاء الأسنان منهم خاصَّةً؛ ليُرْدُوهم عن دينهم إن استطاعوا، أو لِيَلْبِسوا عليهم دينَهُم، بما ينشرون من دعاوى، وما يذيعون من شبهاتٍ لا تصمُد أمام صَوْلةِ الحقِّ المستندِ إلى الأدلة الدامغة لشبهات الباطل، الهاتكة لأستاره، والكاشفة لعُواره: {بَلْ نَقذِفُ بالحقِّ على الباطل فيدمَغُه فإذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مما تصفون}.
فحمايةُ جَنَابِ الدِّين من غُلُوِّ الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، من أوكد الواجبات، وأهم المهمات؛ حتَّى يبقى وجهُ الدين مشرقًا في بهاء وجمال، ومعينُه مُغدِقًا في صفاء وكمالٍ.
وقَد تَطرَق فضيلة الشيخ في خُطبَته الثانية:
إنَّ من أعظم ثمار حفاظ المرء على دينه، وحمايته له، وذَوْدِه عنه: أنْ يكونَ المسلمُ موصولاً بربِّهِ، مستشعرًا معيَّتَهُ، غيرَ عابئٍ بكيد أهل الأرض جميعًا ومكرهم، معتزًّا بأنَّ اللهَ حسبُهُ ومولاه، فلا يرضى أنْ يُسامَ خُطَّةَ خَسْفٍ تُستذَلُّ بها كرامتُهُ، أو يُحطُّ بها من قدره، أو تستباحُ بها حُرُماتُه، فهو مستيقنٌ أنَّ ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشأْ لم يكُنْ، ومستيقنٌ حقَّ اليقينِ أنَّ ذلك الدين هو: الدين الحقُّ الذي جاء به رسولُ الهدى-صلى الله عليه وسلم- من ربِّه، فأخرجَ به العبادَ من الظُّلُماتِ إلى النُّور، وهو الدينُ الذي كتب اللهُ له الخلودَ والظُّهورَ وعدًا حقًّا لا يتخلَّفُ ولا يتبدَّلُ: {هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدى وَدِينِ الحقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّين كُلِّه وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ}.