أقامت “ديوانية آل رفيق الثقافية” بالمدينة المنورة لقاءً ثقافياً عن حادثة حصلت في المدينة المنورة قبل 100 عام وهي حادثة ( سفر برلك) وذلك في مقر الديوانية بحي سلطانة مساء الجمعة 9 ذوالقعدة 1437 بعد صلاة المغرب مباشرة .
وكان ضيف اللقاء هو المؤرخ الدكتور سعيد بن وليد طولة ، مؤلف كتاب “سفر برلك” وجلاء أهل المدينة المنورة إبان الحرب العالمية الأولى 1334 _ 1337 هجرية. قدم لهذا اللقاء الباحث في مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة الأستاذ عبدالله بن محمد كابر .
حيث بدأ ضيف اللقاء محاضرته بالحديث عن معاني كلمة ( سفر برلك ) وتعني السفر معاً ، أو جماعة مهيأة للسفر. ثم تحدث عن حال المدينة وأهلها وكيف أن إنشاء محطة قطار الحجاز ( الإستسيون ) ساهم في تنمية المدينة وازدياد عدد سكانها وتحدث بعد ذلك عن الأحوال السياسية في زمن العثمانيين والأشراف . ثم ذكر ثلاثة مآسي حصلت لأهل المدينة في تلك الحقبة الزمنية وهي انتشار الفقر والجوع الشديدين وانتشار الوباء والمأساة الثالثة هي إجلاء أهل المدينة المنورة لبلاد الشام وتركيا وسميت بـ ( سفر برلك ) وكيف أصبحت أوضاع أهل المدينة بعد ذلك سواء في المدينة أو في سوريا أو في تركيا.
بعدها أتيحت الفرصة للأسئلة والمداخلات من قبل الحاضرين حيث أعاد هذا اللقاء للحاضرين وخصوصا كبار السن منهم الكثير من المعلومات والأحداث التي عاصرها آباؤهم وأساتذتهم ومن شاهد وعانى وتألم وحزن في حادثة ( سفر برلك ) حيث تحدث الطيب الشنقيطي وهو ابن أحد الذين رُحِّلَ (بضم الراء وكسر الحاء مع تشديدها) والده من المدينة عبر القطار إلى دمشق وعمل هناك في الزراعة وعاد إلى المدينة مشياً على الأقدام وكان مدرساً في المسجد النبوي الشريف بجوار المكبرية وكان معروفاً عند أهل المدينة بالعلم والزهد والوقار ، اسمه أبو بكر التمبكتي الشريف وتوفي رحمه الله سنة 1386 هجرية .
كما تحدث أحد منسوبي قسم الشؤون الدينية بإدارة سجون المدينة وهو الشيخ صلاح كعابنة عن العبر والعظات في تقلب الأحوال وكيف أن سوريا كانت تعيش في نعيم والمدينة كانت تعيش في الفقر والجوع في فترة حادثة ( سفر برلك ) أما الآن فأصبحت المدينة ولله الحمد في نعيم وأمان بينما سوريا تعيش في كرب وحرب ( نسأل الله أن يفرج عن إخواننا في سوريا وفي كل مكان آمين)
وقد حضر العديد من الباحثين والمؤرخين والمهتمين ومنهم من أثنى على كتاب ( سفر برلك ) لمؤلفه د. سعيد طولة وهو الشيخ محمد عبدالوهاب العباسي ومنهم من أضاف من معلوماته عن هذه الحادثة كالشيخ محمد صالح عسيلان ومنهم من اعترض على تسمية الحادثة بـ ( سفر برلك ) وقال إن المسمى الصحيح هو ( سفر برلي ) وهو الباحث والمؤرخ الأستاذ أحمد أمين مرشد .
وانتهى اللقاء بقصيدة ألقاها المحاضر د. سعيد طولة وذكرها في كتابه ( سفر برلك ) وهي قصيدة نظمها الشاعر سعد الدين برادة ، أنشأها في دمشق حين رحل إليها من المدينة في الإجلاء الإجباري ( سفر برلك ) وهي قصيدة تعبر عن شوقه وفراقه لمحبوبته المدينة المنورة وأصبحت هذه القصيدة مشهورة وينشدها منشدو المدينة دائماً ومما جاء فيها :
يا للهوى لسويعاتٍ مضت (بِـ قُبا )
و (للعوالي) بقلبي وخز مُرانِ
قربانُ روحيَ أُفديه لرؤيتها
يا ليت شعريَ هل أحظى (بقربانِ(
واحر قلبي فذا (وادي العقيق) فكمْ
أجرته عيناي منظوماً بعقيانِ
لذلك (السيح) ساحت عبرتي وغدت
تسقي (النقا) و لكم سالت (بـِ بطحانِ(
يا حادي العيس قفْ هذا (البقيعُ) وذا
)سلعٌ ) فإنَّ به روحي و ريحاني
هذي الربوع التي أضحى الغزال بها
يرعى القلوبَ وأرعاه و يرعاني
عاث الزمانُ بنا رغماً ففرقنا
يا للرجال لهذا العائث الجاني
ما كنت أحسب أن الدهر يصدعنا
بالبعدِ حتى سقانا كأس هجرانِ
أواه أواه من حر الفراق وما
يبقى من الوجد في أحشاء ولهانِ
وبانتهاء هذه القصيدة انتهى اللقاء وكانت أمسية ماتعة ومليئة بالمعلومات التي تعرف إليها الحاضرون وقد علموا بأن حادثة ( سفر برلك ) كانت مأساة نقشت في أذهان المدنيين ، ويتناقلها الأبناء والأحفاد عن الآباء والأجداد وتعد هذه الحادثة نقطة تحول مهمة في تاريخ الحجاز عموما والمدينة المنورة خصوصا ، ويعتبر كتاب ( سفر برلك ) مدخلاً تاريخياً لدراسة هذه الحادثة ، ويوزعه نادي المدينة المنورة الأدبي ويباع في مكتبة المغامسي . كما قدّم الحضور شكرهم وتقديرهم لـ“ديوانية آل رفيق الثقافية” وعلى حسن الضيافة والكرم والاستقبال.