ما إن انتهت القمة السعودية الأميركية، التي بحث فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس الأميركي باراك أوباما أوضاع الشرق الأوسط، ومكافحة الإرهاب، وقضايا علاقات البلدين، حتى أُعلن عن قمة أخرى لا تقل أهمية بالتئام القمة الخليجية المغربية، بعد وصول العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى العاصمة السعودية. وما هي إلا ساعات حتى بدأ قادة وزعماء دول مجلس التعاون مع الضيف الأميركي القمة الخليجية الأميركية.
ودفع ما سبق قمم الرياض من تحركات سياسية، من قمة بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إضافة إلى لقاء ولي ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في عمّان والزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى المنطقة، المراقبين إلى التفاؤل بأنّ «فوضى المنطقة في بداية النهاية».
هي بداية للنهاية يلخصها خبير الصراعات الدولية عدنان برية بالقول إنّه «بعد انغلاق الرؤية التي عانت المنطقة منها، حضر أوباما لتجديد نقاط الالتقاء مع (الخليجيين) في سياق الحلول الكبرى.
لكن ليس هذا وحسب. هناك المفاوضات اليمنية – اليمنية الجارية في الكويت. فيما سبق ذلك بأيام قمة سعودية مصرية شكلت هي الأخرى منعطفاً مهماً في الحراك الدبلوماسي العربي. في حين تواصل المنطقة الاستماع لأصوات حراك عراقي يبدو انه يتقدم نحو فكفكة عقد الأزمات في بلاد الرافدين.
منطقة تغلي دبلوماسية تبحث في ملفات بالغة التعقيد على رأسها مستقبل المنطقة وأزماتها والإرهاب الذي تعانيه، ومواجهة التدخلات الإيرانية، إضافة إلى العلاقات الثنائية.
ويصف رئيس اللجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني حازم قشوع لـ«البيان» كل ذلك بالقول: الحراك كبير وسريع يشي أن فترة المخاض في المنطقة في نهاياتها، وأن بداية النهاية قد حانت، متوقعا أن تظهر نتائج هذه القمم الدبلوماسية قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، رغم أنه يعتقد أيضا أن بعضها سيظهر قبل ذلك.
يراعي قشوع في هذه القمم الشكل كما ينتبه إلى المضمون، ويقول إنّ زيارة الرئيس الأميركي إلى الرياض ولقاءاته السياسية المهمة والإستراتيجية مع خادم الحرمين الشريفين ومشاركته لقاء القمة الذي جمع قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مؤشر على مشهد واضح من أن الحالة العروبية موجودة في المنطقة. ويؤكد أنّ «النظام العربي يدلي بدلوه ويقول انه موجود وعلى العالم الإنصات لما يرى فيه مصلحة منطقته».
رسائل
كل هذا الحراك النوعي والمفعم يشير كما يراه قشوع – إلى أن هناك رسالة أراد النظام العربي أن يقولها من أن أية معادلة سياسية مقبلة لا بد أن يكون للنظام العربي كلمته وحضوره فيها.
ويشعر رئيس اللجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني بالتفاؤل فالإقليم يشهد بداية فكفكة لكثير من عقد المنطقة. وهذا – بالنسبة إلى قشوع – أمر طبيعي فمجلس التعاون لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي، فيما هناك أكثر من خاصرة للعرب تعاني، سواء في سوريا أو اليمن أو العراق أو ليبيا، مشيرا إلى أن النظام العربي نجح في (تحديث) نفسه، وقال: «لهذا لن يكون هناك أي معادلة سياسية جديدة أو متغيرات أو جغرافيا جديدة تطال المنطقة سواء أقاليم أو فيدراليات فلا بد أن يكون للنظام العربي دوره وحضوره وكلمته».
تجديد نقاط الالتقاء
من جانبه، يؤكد عدنان برية وهو أحد من المحللين السياسيين المختصين في الصراعات الدولية إن حضور الرئيس الأميركي إلى الخليج كان في محاولة لتجديد نقاط الالتقاء مع مجلس التعاون الخليجي في عدة ملفات ساخنة كبرى.
يقول برية لـ «البيان» إنّ «مجلس التعاون اليوم بات النظام الإقليمي الوحيد القادر على الوقوف في وجه السياسة الإيرانية في المنطقة».
وينوه برية إلى اضطرار مجلس التعاون الخليجي لذلك بعد انهيارات ما سمي الربيع العربي الذي دفع قوى عربية كبرى وازنة عن المنطقة إلى الالتهاء في قضاياها الداخلية، وخروجها من دور الفاعل في النظام العربي إلى دور الدول التي بحاجة إلى المساعدة، وهذا – كذلك في المناسبة ما قدمته دول الخليج العربي عندما ساهمت بقوة في تدعيم هذه الدول مستشهدا بالنموذج المصري والليبي والتونسي واليمني وحتى العراقي.
يقول برية إنّ «أوباما حضر إلى الرياض هو يدرك أن الإدارة الأميركية بحاجة ماسة» إلى مجلس التعاون للحفاظ على الأمن الإقليمي والعالمي.
وينفي المختص في الصراعات الدولية صحة القول من أن هناك إستراتيجية أميركية للتخلي عن حلفائها في المنطقة لصالح علاقات وتحالفات جديدة في شرق آسيا. ويستدل على هذا النفي بقمتين خليجية أميركية خلال أقل من سنة: واحدة في كامب ديفيد والثانية في الرياض، مشيرا إلى أن كل ذلك يجري والمنطقة ليست بعيدة كثيرا عن الرئاسة الأميركية.