أظهر استطلاع الظروف الاقتصادية العالمية “جي إي سي إس” الأخير الذي أجرته جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين البريطانية (“إيه سي سي إيه”) ومعهد المحاسبين الإداريين (“آي إم إيه”) ونُشر اليوم أن أكثر من نصف الشركات تقوم حالياً بتقليل أو تجميد التوظيف لديها، في حين أن 14 في المائة منها فقط عمدت إلى زيادة استثماراتها في الموظفين. وقالت فاي شوا، رئيسة قسم تركيز الأعمال التجارية لدى جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين البريطانية في سياق تعليقها:
“لو استبعدنا أمريكا الشمالية من المعادلة، فإننا سنجد أن الصورة الاقتصادية التي يرسمها هذا الاستطلاع ليس جميلة على الإطلاق، فالأسواق الناشئة تمر بظروف خانقة، كما أن عائدات شركات السلع انهارت منذ منتصف عام 2014، إلى جانب التراجع الكبير لمستويات الثقة في الصين حتى وصلت إلى أدنى مستوياتها بحسب سجلاتنا”.
وأضافت: “لقد سجلت نصف الشركات تقريباً انخفاضاً كبيراً في دخلها بالربع الأول، وكنتيجة لذلك فإن كل منطقة باستثناء أمريكا الشمالية شهدت قفزة كبيرة في عدد الشركات التي قلصت من إنفاقها الرأسمالي. وبالنظر إلى حقيقة مواصلة تعرض الأسواق الناشئة للضغوطات نتيجة الأسعار المنخفضة للسلع، ومع سعي الكثير من الشركات لكبح إنفاقها، فإن مشهد الاقتصاد العالمي يبدو قاتماً بشكل أكبر”.
ووفقاً لفاي شوا، فإن الأسواق الناشئة هي التي تعاني أكثر بسبب الضغوطات على ميزانياتها، وبيّنت:
“تشهد الأجور ارتفاعاً في الكثير من المناطق حول العالم، ولذلك فإن الشركات تواجه صعوبات كبيرة في مواكبة هذا الارتفاع نظراً لوقوع عائداتها تحت ضغط كبير. إن الانخفاض الحاد الذي تشهده الكثير من العملات أمام الدولار الأمريكي أدى كذلك إلى زيادة التكاليف، ما يجعل الواردات أعلى ثمناً ويزيد من قيمة الديون المقومة بالدولار، ويعني ذلك أن الشركات في اقتصاديات الأسواق الناشئة متشائمة بخصوص آفاقها المستقبلية”.
ولا يزال الشرق الأوسط قادراً على التكيف مع أسعار النفط المنخفضة، إلا أن مستويات الثقة التجارية انخفضت إلى مستوى قياسي متدني خلال الربع الأول، حيث أفادت 59 في المائة من الشركات بأنها أقل تفاؤلاً بخصوص آفاق عملها
خلال الربع الأول مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 48 في المائة، فيما أفادت 45 في المائة من الشركات بأن انخفاض العائدات يمثل مشكلة حقيقية بالنسبة لها.
ولكن النقلة الأكبر التي حدثت مؤخراً تجسدت بزيادة عدد الشركات التي توقعت تقليل الإنفاق الحكومي خلال الأعوام الخمسة المقبلة، حيث يعتبر الإنفاق الحكومي بالمنطقة أكبر من مثيلاته في أي مكان آخر. فالحكومات في المنطقة تتمتع بتمويلات أقوى مقارنة بنظيراتها في الاقتصادات القائمة على السلع، الأمر الذي يعني بأنه يمكنها تبنّي توجه مُدار بشأن تخفيض الإنفاق، وبالرغم من ذلك فإن 30 في المائة من الشركات تتوقع انخفاض الإنفاق العام بصورة ملموسة.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد حذرت فاي شوا من احتمالية معاناة واضعي السياسات في العالم من الأدوات التي تمكنهم من السيطرة على الأوضاع، وأوضحت قائلة:
“لقد حاولت الحكومات في الدول المتقدمة تحقيق استقرار نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، فهل ستود الحكومات عكس نتائج ذلك العمل الجيد والمخاطرة بمواجهة غضب المستثمرين في السندات؟ على الأغلب لن يقوموا بذلك. وعوضاً عن ذلك، فسنرى بأن العبء الأكبر سيترك للمصارف المركزية في الوقت الحالي. ولعل المشكلة الحقيقية الأكبر في هذه المقاربة تتمثل في الشكوك الجدية حول قدرتهم –أو في واقع الأمر رغبتهم- بتقديم دعم أكبر”.
ووفقاً لفاي شوا فإن إخراج الاقتصاد العالمي من الركود الذي يمر به في الوقت الراهن لن يكون قابلاً للتحقيق على المدى القصير، وقالت:
“ما أن يبدأ الدخل بالانخفاض وتوقف الشركات التوظيف، فإن إعادتها إلى المستوى الذي يمكّنها من بدء القيام بذلك هو أمر صعب للغاية، على الرغم من كونه على درجة كبيرة من الأهمية”.
وأضافت: “لعل الأمر الإيجابي الوحيد هو الارتفاع الطفيف الذي شهدته ثقة الشركات في اقتصادات الدول غير الاعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “أو إي سي دي” خلال الربع الأول، مدفوعاً بأوروبا الوسطى والشرقية، وروسيا بصورة خاصة. وإننا نأمل بأن يكون هذا الأمر مؤشراً على أخبار إيجابية قريباً”.
وتجدر الإشارة إلى أن العمل الميداني على استطلاع الظروف الاقتصادية العالمية للربع الأول من عام 2016 تم خلال الفترة ما بين 26 فبراير ولغاية 15 مارس، واستقطب أكثر من 1200 إجابة من أعضاء في جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين البريطانية ومعهد المحاسبين الإداريين حول العالم من ضمنهم أكثر من 100 مدير مالي. وكان نحو نصف المستجيبين الذين شملهم الاستطلاع من شركات صغيرة ومتوسطة، في حين أن باقي المستجيبين كانوا من شركات كبيرة تضم أكثر من 250 موظفاً.