وجّهت الباحثة اليونانية، باراسكيفي (فيفي) كيفالا، الشكر للعرب، نظير حفاظهم على حضارة بلادها، ومساهمتهم في إثراء الحضارة الإنسانية.
جاء ذلك في ندوة تحت عنوان “الثقافتان اليونانية والعربية.. أسئلة في التأثر والتأثير”، الخميس (10 مارس 2016)، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لمعرض الرياض الدولي للكتاب، التي أعلنت اليونان ضيفا لشرف هذا العام، وأدارها الدكتور أحمد آل مريع.
وأضافت “كيفالا” أن الحضارة اليونانية كانت لتختفي لو لم تعتمد على الحضارة العربية الذكية، التي حافظت عليها، وأسهمت في أعظم إثراء للحضارة البشرية.
وأضافت: “نشكركم أيها العرب على مساهمتكم في الحضارة الإنسانية، صحيح أنها غير موجودة في مكانتها الآن، لكنكم أيها العرب قمتم باختراعات ذكية، مثل وضع علم الجبر، وتطوير علم الدواء والعقاقير، والكيمياء، وعلم التشريح والرياضيات، كما وفرتم وقودًا مختلفًا للعالم، وفنونًا فريدة من نوعها”.
وقالت كيفالا، “إن الحضارة تشكل أساسا مهما للتطور الاجتماعي، وتتلاءم مع الظروف التاريخية، لذلك تزدهر يومًا تلو الآخر”، واستدركت: “لا شك أن الحضارة تختفي أيضا؛ لكن الأكيد أنها لو كانت تتمتع بمزايا فريدة من نوعها فإنها تستمر كقيمة مضافة”.
وقدم الدكتور حمد بن ناصر الدخيّل، أستاذ الدراسات العليا في الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بحثًا موجزًا عن بيان أثر الثقافة اليونانية على الأدب العربي القديم، من منطلق تأثير الثقافات على بعضها، لاسيما أن الثقافة اليونانية تأثرت بالحضارات السامية التي نشأت في الشرق، مشيرا إلى أن الحضارة اليونانية نضجت في العصر الأثيني، وتوجت بفتوحات الإسكندر المقدوني في الشرق، والذي تتلمذ على يد الفيلسوف اليوناني أرسطو.
وقال الدخيل إن اليونانيين استفادوا من الحضارات السامية في بلاد الفرات في عهد البابليين والآشوريين والكنعانيين، وعنوا بفن العمارة، متأثرين بالمفاهيم الهندسية في ذلك الوقت.
وأضاف أن جغرافيي اليونان القدامى قسموا الأراضي العربية إلى 3 أقسام: العربية الصحراوية، العربية الصخرية، العربية السعيدة، وذلك يفعل فتوحات الإسكندر وغزواته، التي فرض من خلالها تعلم اللغة اليونانية في جميع البلاد التي يغزونها، مثل آسيا وبلاد الشام، ونشر ما تحمله من ثقافات، حتى أسس الإسكندرية، وفيها مكتبته الشاهدة على الحضارة اليونانية حتى يومنا هذا، وتحتفظ بكثير من المخطوطات والمؤلفات اليونانية.
وأوضح أستاذ الأدب والنقد أن “العرب تأثروا بالشعر اليوناني؛ لكنه لم يكن ذا تأثير ملحوظ، لصعوبة ترجمته كما يرى الجاحظ وغيره، كما أن ترجمة الشعر لا تجعله في بلاغة لغته الأصلية، إلى جانب أن الشعر اليوناني يتحدث عن تعدد الآلهة، إذ إن لديهم 12 إلها، وهي رموز أسطورية خرافية وأدبية لا أهمية دينية لها، لكن هذا كان سببًا في عدم تأثر الشعر العربي بمثيله اليوناني”.
من جانبه، تحدث الكاتب والباحث، الدكتور عبدالرحمن الحبيب، عن أثر الفلسفة اليونانية في الفكر العربي، وقال إن الآراء الفقهية اضطرت للدخول في فلسفة اللغة لتفسير وتأويل وشرح النص المقدس، ثم دخلت في تفرعات فلسفية أخرى، وربما كان ذلك ممهدًا لدخول الفلسفة اليونانية وتأثر الفكر العربي بها.
وأشار إلى إن الأعمال الفلسفية اليونانية ترجمت إلى اللغة العربية، وبلغت ذروتها في العصر العباسي الثاني، ويعد تأثيرها هو ثاني مؤثر بعد الدين الإسلامي على الفكر العربي، عبر ترجمة التراث اليوناني.
أما عن الموقف العربي من الفلسفة اليونانية، فقال “الحبيب” إن موقف المفكرين العرب من فلاسفة وفقهاء ومؤرخين وأدباء تجاه الفلسفة اليونانية انقسم إلى 3 مواقف: الأول موقف جمهور الفلاسفة العرب المؤيد والمرحب بدراسة وتعلم الفلسفة اليونانية؛ حيث اعتبرها بعضهم ضرورة عقلانية للتعامل مع النص الديني، فضلا عن التعامل مع الحياة الدنيوية.
وأشار إلى أن الموقف الثاني نقيض الأول تمامًا، ويرى أن لا حاجة لهذه الفلسفة بالجملة؛ لأنها مفسدة للدين والعقل، ومن أشهر القائلين بذلك ابن تيمية وابن قيم الجوزية.
أما الموقف الثالث، بحسب “الحبيب”، فيرى التمييز بين أجزاء هذه الفلسفة، فالمنطقيات والطبيعيات (فيزياء، طب، كيمياء، زراعة) نافعة، بل يجب تعلمها عند بعضهم، مثل الغزالي وابن حزم الأندلسي، ولا مانع منها مثل ابن خلدون، أما الإلهيات (الماورائيات) والأخلاقيات فهي لا شك في فسادها وبطلانها ووجوب منعها، مشيرا إلى أن هذا الموقف يمثل غالبية السياق في الفكر العربي.