القى مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل كلمة نثرية في منتدى جدة الاقتصادي الذي بدأت فعالياته يوم أمس الثلاثاء بفندق جدة هيلتون .
وجاءت كلمة “الفيصل” بأسلوب “النثر” تحمل باقة من الأدب والثقافة وحال الأمة تترجم كل معاني الاحداث التاريخية ماضٍ وحاضرٍ ومستقبلاً .. فقال:
أنا لا أكتـب بالحروف أوهاماً ..
ولا أنسج من الأفكار أحلاماً ..
وإنمــــا …
أستخلـــص مــن عبر الزمان دروسا ..
وأزيّن من ومضات الفكر عروسا ..
أرسلهــا مع ســـاري العمـــر ألحانــا ..
لأهـــل الـــرأي والفكــــــر أشجانا …
إنها حالــة التَحوّل .!!
ومـــا أدراك ما حــالــــة التحـــــوّل .!؟
هي حالة مرحليه وفترة زمنيه لنقلة حضاريه
يصنعهـــــا الإنســـان أو يفـــرضهـــا الزمــــــان ..
وفي نظــري أنها ترتكز على ثلاثة عناصر :
ثقـــافـــة .. واقتصــاد .. وإدارة
الثقافة : روح وفكر وسلوك
لأنهــــــا ديـــن وتعلـــم وإعـــلام ..
والاقتصاد : مال وتجاره ..
وهو عصـب حياة ومنطلـــق حضارة
والإدارة : رأس الأمر في كل صدد
فإذا صلـــح الـــرأس صلـــح الجســـد ..
يحسبــها الجاهلــــون مغنم فترة زمنيه
ويعرفها العالمون بحالات عصف عتيه ..
فيها صدمات اجتماعيه.. وتقلبات اقتصاديه
وهزات ثقافيه ..
ولكن فيها أيضاً .. إمكانات إبداع فكريه ..
وعلمنا التاريخ ..
أن لكــــــل تحـــول حضـــاري أزمـــات ..
ولكل مسيرة _ولو نجحت _ وقفات ..
وللتحــــول حالات وفتـــرات وظـــروف
ولــه عقــل وقلـــب وفكـــر وسيــــوف ..
وله آليــات ودواعـي ..
وما يستدعيه داعي .. وما ليس له داعي ..
ولقد عانــت منــه مجتمعات أوروبا
قبل أن تشفى بنهضة وتهنأ بغمضة ..
وكــــم استغــرقت فيــه مـــن الوقـــت أمريـــكا ..
قبل أن ترقى من راعي البقر إلى حاكم البشر ..
وكم من صدمة ووصمة ..
تجرعتها تلك المجتمعات .. لتشرع المحرمات وتبيح الموبقات ..
وكـــم بـــذلوا فيــــها مــــن الجهـــد والعمــــــل والتضحية
حتى أصبحت سلطــة مدوية ..
تصنـع ما تـريد فيمــن لا تريــد ..
وهكذا حل التحوّل في كل المجتمعات
وأحدث الكثير من التغيرات والتقلبـات
في جميع القارات ..
إن قــاده العقـل وحَكَمه المبادئ .. أصـاب
وإن قاده الجهل وحَكَمته المساوئ .. أعاب
ولقد سبق أن صنعنا التحول .. وقدناه
وأحسنــا القيادة فأحكمناه ..
فكان عبد العزيز بن عبدالرحمن ..
رجــل الزمــان والمكـان ..
جمع الأفراد والقبائل والإمارات ..
ثم سلطنة نجد ومملكة الحجاز ..
فأســس دولـة .. لها صولـة وجولة ..
لكنها كانت أكبر من إدراك
بعض أهــل زمانـه ..
فكـانــت الفتـــنـــة ..
أسبابها جهـــل طغمــــة .. غايتهـــا اقتســام سلطة ..
وبرز القائد في الشدائد .. فألجم التمرد بالعنان
وحسم الأمر بالقوة والحكمة والجنان..
فنجحت الوحدة ..
واستتــب الأمــن وفشــلت الردة..
وبعد فترة أمن واستقرار وأمان
غزانــا تحـــوّل يفرضـــه الزمان
عندما ترامى بعض العرب في أحضان الاشتراكية
نكاية في قوى الغرب الاستعمارية ..
فغــــزتنـــا الشيــوعيــــــــة الإلحادية ..
فتمدد الغزو خارج حدود من دعاه
إلــــى مـن تمنى الغازي دخول حماه
فتصدت له قوة الإيمان السعودية
بحكمــة قياديــة وإرادة شعـــــبية
مستثيــرة نخوة الإسلام في معقله
وحمــــيـــة العــربــــي في مأصــــــله
وابتــدأ الخيــــــر يتــــدفـــق ..
والعلم والمال والبناء يتألق ..
ولكن الذين هربوا بدينهم وأضفناهم ..
خانــــــــوا كـــــرم مــــــــن آواهــــم ..
فبذروا جرثومة التكفير والتمرد
في عقول الجاهلين ومن بهم تردد
فحولوا الدعوة إلى الله .. إلــى جهـــاد عبــــاد الله ..
فتنكر الغر الجاهل على أهله ..
وخـــان وطنــــه ودولتـــه وأرضــه ..
واحتل جهيمان الحرم
وكذب وادعى وظلم ..
وهزم الرجل ومضى
ولكن فكره بقي وطغى
فانطلقت أكذوبة الصحوة في حالة غفوة
وكادت أن تكون كبوة
لولا لطف من الله ..
ثم وقفة ثبات من المتفقهين في كتاب الله ..
ورفــض التطـــرف مــــــن عاقــل عبـــاد الله ..
ومـــرت بنــا فتـــرة مــن الأمــن والاستقرار
وطفـــرتان مــــن ثــــــروة المـــال والإعمـــــار
استثمرنا بعضــــهـــا وأهـــــــدرنا بعضـــــــها
وعلينا أن نستفيد من دروسها
فالوضـــع اليوم خطير .. والهجمــة شرسة ..
والشر مستطير .. والجرثومة نجسة ..
لها عقـول خارجية .. وأذناب داخلية ..
تديــرها دول ومؤسســـات وخبــرات ..
وينفذها مرتزقون بإتاوات ..
هدفهــا الاهتـزاز والابتزاز ..
واختلال التوازن بتشكيك المواطن ..
واتهام المسؤول بالتهاون ..
سخروا الإعلام لاستثارة الأنام ..
وزخرفوا الكلام ولفقوا الاتهام ..
ولا بد لنا أن نعترف :
بأننا اليوم أمام تحوّل اجتماعي سريع ..
وانقســــــام فكـــــري وثقــــافي مـــــريع ..
ومع أن الغالبية تتمسك بالمبادئ الإسلامية ..
القائمـــــة على منهـــج الاعتــــدال والوسطية ..
إلا أنه على الشوائب والشـذوذ تجتمع ضالــتان ..
فهذا تكفيري وهذا انحلالي وكلاهما قاتلان ..
فمـــاذا يحـــــدث اليــــوم ؟!
الوقت أسرع مما كان
والويل لمن لا يفهم الزمان ويحمي المكان
أصبحنا جزأ لا يتجزأ من العالم ..
والأخطـــار من حولنــــا تتفـــــاقــم ..
وأمسينــا محــــور اهتمــــام عالمي
ليـــس إعجـــاباً بنـــــا .. وليـــس إيجـــاباً ..
سمه ما شئت !!
لكن سلبيته طاغية .. ومبرراته واهية
ورياحه عاتية..
فلنفكر في الأمر بروية .. ولتكن نظرتنا واقعية ..
التحوّل بدأ .. والوضع الجديد نشأ ..
فلا بد من استكمال التنمية .. لنحقق الأمنية ..
فلنتمسك بالإسلام عقيدة وحصانة
وننفتــــح على العالـــم بثقـــة وأمـــانة
ولا نخشى الاستفادة من مكتسبات العصر
مع الثبـــات على مبـــادئنا بكـــل فخـــــر
ولا بأس من أخذ المفيد من تجارب الغير
فليـــس في طلــب العلــــم والخبــــرة ضــير
نأخــذ منــــــها ما نـــريد عـلــــــى هـــــــــــوانا
ولكن لا نسلم لحانا لمن يريد لها الهــوانا
أحفظوا الله يحفظــــــكم
واشكروه على نعمه يزدكم
ولنعلم أن الله ما أعزّنا إلا بالإسلام.
والســــلام …
خالد الفيصل