يصنف بعض الأشخاص الميزانية التي أعلنتها المملكة العربية السعودية يوم أمس أنها من ضمن ميزانيات العجز، في حين يصنفها البعض الآخر -وأنا منهم- على أنها ميزانية العز. فلماذا إذاً، هي ميزانية العز؟!
لعل من نافلة القول، أن نشير إلى أن كثيراً مما حمله إعلان الميزانية جاء كنتيجة طبيعية -سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر- لما يدور في المنطقة من أحداث جسام تسبب بها العبث الإيراني في المنطقة لتحقيق مكاسب ومطامع له فيها، استلزم معه أن تغير المملكة من سياستها وطرق تعاملها مع ما يحصل في المنطقة من عبث خطير نتيجته الحتمية الإضرار بمصالح المملكة على المدى القريب والبعيد.
فخلال العشرة سنوات المنصرمة، عبثت إيران في العراق، وعلى مدى الخمس سنوات الأخيرة، ساندت في سوريا نظاماً فقد جميع مقومات الشرعية أمام شعبه والمجتمع الدولي، ومنذ أمد بعيد كانت قد أحكمت قبضتها على لبنان، كما أنها كانت قبل أشهر قليلة، قاب قوسين أو أدنى من استمالة دولة أخرى لها في الشمال.
وأما في الشرق، نجحت إيران في زرع بذورها العفنة في عدد من دول المنطقة، وأوشكت على إسقاط مملكة البحرين في قبضتها، لولا لطف الله ومن ثم تدخل الملك عبدالله -رحمه الله- في السويعات الأخيرة.
وأما جنوب المملكة، فقد يكون لإيران تحالف، بطابع عدم الانحياز، كما أنها دعمت الحوثي لاحتلال اليمن تمهيداً لجعل اليمن أرضاً إيرانية بامتياز.
وفي الغرب، ألقت إيران بظلالها على دول الساحل، وكانت على وشك ضم عواصم عربية كبرى تحت عباءة مرشدها.
ويا ليت هذا الأمر توقف إلى هذا الحد، لكان أهون، ولكن سعت إيران لإثارة القلاقل والفتن من خلال تحريض ضعاف النفوس وضعاف الانتماء وضعاف الولاء، ممن يفترض بهم أن يكونوا أبناءً للمملكة على مملكتهم، تلكم المملكة التي حفظت لهم على مر السنون، أمنهم ووفرت لهم سبل العيش الكريم، ذلك العيش الذي أجزم ألا يجدوا عُشره في إيران، وذلك سعياً من إيران لإضعاف الشأن السعودي الداخلي حتى يصاب بالانشقاق ليتبعه الضعف والهوان.
كل هذا وأكثر، قامت به إيران خلال عشرة سنوات، كانت خلالها المملكة تبذل وتسعى بكل وسائل وسبل الحلول السلمية والدبلوماسية والسياسية لإيقاف هذا العبث الخطير في المنطقة، مستعينةً بمن يفترض بهم أن يكونوا حلفاء لها. ولكن -للأسف- حتى هؤلاء الحلفاء، وجدوا في العبث الإيراني القذر، مصالح جديدة لهم على حساب مصالح المملكة، فطاب لهم أن تكون المملكة في موقف أضعف من إيران، لتكون المملكة دائماً في حاجتهم ولا تستطيع الاستغناء عنهم، نعم، لقد أردوا أن تكون المملكة ضعيفة هينةً مكسورة لكي لا تملك قرارها، ولكي يخضعوها لما يريدون ويفرضون عليها ما يشاءون.
من يدرك هذه الحقائق، يدرك أنه كان لزاماً على المملكة أن تقف وقفة صارمة وحازمة وفي أسرع وقت، وكان لابد من اتخاذ القرار المصيري والشجاع في الوقوف أمام هذا العبث وأمام هذه المؤامرات المحاكة بعناية من قبل إيران. والله وحده يعلم، ما كان سيكون عليه الحال لو تأخرت المملكة باتخاذ قرارها الشجاع الحازم بالعزم على إيقاف العبث الإيراني في المنطقة. ويكفي العاقل البصير، أن ينظر إلى البلاد التي تخاذلت أمام التدخلات الإيرانية في شؤونها ولم تحرك ساكناً لأجل إيقافها، وسيعرف كيف حال تلك البلاد وكيف حال شعوبها اليوم.
إن القيادة الرشيدة في المملكة، كانت أمام أحد خيارين، الخيار الأول وهو غض البصر وعدم تحريك ساكن في هذه الحرب القذرة والنجسة التي بدأتها إيران منذ أمدٍ بعيد وفق منهج وسياسة مدروسة ومخطط لها بدقة، وفي النهاية –وإن بعدت- ستنقلب الموازين لمصلحتها وستكون الخاتمة تماماً كما هي خاتمة تلك الدول والشعوب التي سكتت على التدخلات الإيرانية. وأما الخيار الثاني فكان باتخاذ القرار الشجاع لمواجهة هذا المد الصفوي القذر، والتدخل بقوة لإعادة الأمور إلى موازينها لتكون الخاتمة -وإن بعدت- هي الأمن والأمان بإذن الله تعالى، ليس لليوم فقط، وإنما للأجيال القادمة والتي تمثل أبنائنا وفلذات أكبادنا.
إن أعداء المملكة، سواء كانوا من الخارج أو من الداخل، لن يتوانوا في “تصوير” هذه الميزانية على أنها ميزانية العجز، وسيطلقون عليها أوصافاً وألقاباً تهكمية، كميزانية العبث وميزانية الفقر، وميزانية الانكسار، وميزانية السقوط، وميزانية الفشل، وميزانية الحرب، وميزانية الفساد إلى آخر تلك الصور والأوصاف التي ليس لها من هدف، إلا تشكيك أبناء المملكة في القيادة وبعد نظرها، ومن ثم بناء حاجز بين هذه القيادة وبين أبناء شعبها، حتى يصلوا إلى خلق انطباع عام لدى أبناء الشعب بأن قيادتهم تسلبهم حقهم، وتعاديهم في رزقهم، وتحاربهم، وتحول بينهم وبين رغد العيش. وعلى الرغم من بشاعة هذه الأهداف إلا أن الأبشع منها أن يكون هناك سُذج كُثر من أبنائنا، ينقلون كل ما يصلهم وكل ما يسمعون من هذه الأوصاف الدنيئة والتهكمية، ليساعدوا -من حيث لا يعلمون- إيران وأذنابها في تحقيق الأهداف المرجوة لديهم. وأما المواطنون حقاً، أبناء المملكة الحقيقيون، فبالنسبة لهم، فإن هذه الميزانية لا تحمل إلا اسما واحداً فقط وهو ميزانية العز، ذلك العز الذي علمه من علمه، وجهله من جهله.
دمت يا وطني شامخاً عزيزاً،،،
دمت يا وطني برداً وسلاماً على من أحبك،،، وناراً ولهيباً على من عاداك،،،
دمت يا وطني سالماً من حقد الحاقدين وعبث العابثين.