في الوقت الذي تتجه فيه القرار الحكوميّة إلى إيجاد مواءمة حقيقيّة بين المؤسسات التعليمية والتدريبيّة واحتياجات سوق العمل بالمملكة لتوفير فرص عمل للشباب والفتيات وتقليص نسب البطالة، تظهر معاناة خريجي الكليّات التقنية والمعاهد الصناعيّة لأسباب متعددة يجد الخبراء صعوبة في حصرها.
يقول خالد القحطاني خريج من إحدى الكليّات التقنية: “معظم المتدربين في الكليات التقنية يحصلون على شهادة الدبلوم في تخصص فني دون اكتساب أي مهارة في تخصصاتهم مع غياب جودة التطبيق العملي، ومؤسسة التدريب التقني تحاول أن تتخلص من المتدربين بمنحهم درجة مقبول لكي لا تتكدس الكليات والمعاهد، وهذا أنتج جيلا فنيا لا يجيد أساسيات المهن في سوق العمل”.
وواصل: “تفتقر برامج التدريب التقني إلى دعم الابتكار ومساعدة المتدربين على تطوير مهاراتهم بصفة ذاتية، لذلك نرى الكثير من الطلاب المتجهين إلى الكليات التقنية لا يعرفون ما يريدون، ويجدون أنفسهم في تخصصات لا تتناسب مع ميولهم المهنية في ظل غياب دور الإرشاد المهني”.
أما سعود الخالد أحد المتدربين المبتعثين من مؤسسة التدريب التقني يقول: “تلقينا وعوداً من المؤسسة عندما أردنا الابتعاث للخارج من أجل أن نصبح مدربين في إحدى الكليات التقنية، وفور حصولنا على الشهادة تفاجأنا بأن تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح، وإذ بشروط التوظيف قد تغيّرت لنجد أنفسنا واقفين في طوابير البطالة القاتلة، دون أن يلتفت أحد لمعاناتنا!”.
وأردف: “آمل من الجهات المعنيّة فتح تحقيق عاجل لمعرفة مصير ما يقارب ألفي مبتعث سيعودون إلى الوطن دون أي فرصة وظيفية، وقد أنفقت الدولة عليهم مئات الآلاف ليجدوا فرصاً وظيفية تليق بهم، لا أن تذهب تلك الأموال هدراً، فنحن نريد من ينصفنا بوصفنا أبناءً لهذا الوطن”.
في حين يرى فهد العبد الكريم أن خريجي الكليات التقنية يعانون من التيه، ويقول: “الخريجون يواجهون التهميش والنسيان وهو ليس ذنبهم، إنما ذنب البرامج التدريبية الرديئة التي لا تمنحهم الكفاءة للمنافسة في سوق العمل، وأناشد المسؤولين بدراسة أوضاعنا وإيجاد مخرج لنتخلص من البطالة المرهقة، وأن يعاودوا النظر في استراتيجية مؤسسة التدريب وطريقة تأهيلها للشباب والفتيات، وإلزامها بتوفير فرص وظيفية لهم بدلا من تخريجهم وجعلهم عالة على المجتمع”.
ومن جهت اخرى كشفت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني عبر تقريرها السنوي عن أن نسبة الملتحقين من خريجي الكليات التقنية والمعاهد الصناعية في القطاع الخاص لم تتجاوز 52 بالمائة، في حين يواجه 48 بالمائة من الخريجين صعوبة في الحصول على فرصة وظيفيّة بسوق العمل.
وقد واجهت المؤسسة انتقادات شديدة من أعضاء في مجلس الشورى، حيث وصف أحدهم خريجي الكليّات التقنية بأنهم عاجزون عن تركيب “لمبة”، في حين يرى آخر بأن ما تبذله الدولة من مليارات في هذا القطاع يمثل هدراً مالياً لا ينعكس على جودة المخرجات، وسط اقتراحات بضرورة ضمّ التدريب التقني لوزارة التعليم للرفع من كفاءة أدائها.
وأوضحت المؤسسة بأنها تمكنت من زيادة الطاقة الاستيعابية للمقبولين في كلياتها ومعاهدها بما نسبته 26.4 بالمائة، في الوقت الذي يرى فيه مراقبون بأن من أولويّات المؤسسة أن تكفل لخريجيها السابقين فرصاً وظيفيّة قبل أن تُشرع أبوابها لاستقبال آلاف الشباب والفتيات في ظل ضبابيّة مستقبلهم، واحتماليّة انتقالهم إلى صفوف البطالة التي أرهقت المجتمع.
ويعلل خبراء ارتفاع نسبة الملتحقين من خريجي الثانويّة العامة بالجامعات بنسبة تصل إلى 90 بالمائة إلى محدوديّة الفرص الوظيفيّة المتاحة أمام خريجي الكليات التقنية بسبب ضعف البرامج التدريبية المقدمة لهم، وافتقارهم لمهارات اللغة الإنجليزية، واكتفائهم بالحصول على درجة الدبلوم ما يجعلهم غير قادرين عن تولي مناصب قيادية في القطاع الخاص.
كما لم تنجح مؤسسة التدريب التقني في برنامج ابتعاثها للشباب والفتيات مقارنة بما تحققه وزارة التعليم من نجاحات في هذا الاتجاه، حيث وقعّت المؤسسة 137 اتفاقيّة دولية في برنامج الابتعاث في حين لم يتخرّج سوى 382 شاباً خلال أربعة أعوام، ما يطرح تساؤلات كبيرة حول فحوى تلك الاتفاقيّات وجدواها ومدى انعكاسها على المجتمع بشكل عام وقطاع التدريب التقني والمهني بالمملكة على وجه الخصوص.