قيادة المركبة وفنون القتال

لم تعد قيادة السيارة في شوارعنا مثلما عهدناها في سابق الازمنة وسالف الايام وليست مثلما تعلمنا بانها فن وذوق واخلاق وانها وسيلة للتنقل وقضاء احتياجاتنا وترحالنا وتجوالنا فقيادة السيارة اليوم اصبحت مهنة قتالية تتطلب منك تدريبا عاليا في فنون القتال على ان تكون شجاعا في شق الصفوف ولديك مهارة عالية في التجديف والالتفاف والقفز والتصدي لمن يحاول السقوط عليك ولو قدر لنا من الامكانات لسرنا بالطرقات وبأيدينا مصائد للإطارات وكلبشات وسواطير كي نحرر الطريق ونبقى بمفردنا نسير ..
ولم تعد الطريق الا حالة من العراك فمنذ خروجك حتى وصولك وانت في معركة تتطلب منك مهارة وفنون قتالية مختلفة فالقتال عند الاشارة له اسلحة ومعدات وجنازير والقتال في الطريق السريع يستلزم قاذفات بعيدة المدى والقتال في المنعطفات يتطلب رافعات عالية وقفز مظلي كما ان الاقتتال عند المواقف يتطلب الغام تزرع كي نتلف من يسابقنا .. ونرى في طريقنا كل يوم حالات من الشغب والصراخ والعراك وابواق السيارات وسعيد الحظ من يفوز بأسقاط منافسه على حاجز خرساني او من يقذف به على سيارة اخرى وقد يتفنن اخر بوضع منافسه في زاوية 90 في احدى الكباري وما نقول بالعامية الا ان ( المرور في ورطة وورطنا معه ) وتعتبر الطرق في المملكة العربية السعودية من افضل الطرق عالميا من حيث التغطية الشاملة والجودة والمواصفات وكل شيء تطور وسابق الزمن في الثقافة والتدريب والتقنية الا ان المرور بقي قابعا في مخبأه السري مع جهاز الرادار ودفتر المخالفات حتى اصبحت شوارعنا وعلى مدار الساعة معركة دموية فوضوية مزعجة ومؤرقة ومخيفة ولم يحرك المرور ساكنا حتى يومنا هذا ومن اجمل العبارات التي تسمعها عند سؤالك لمسؤول في ادارة المرور عن سبب توقف الطريق وهو المصطلح العلمي الذي اجادوه في حياتهم المهنية هو ( ان الطريق فوق طاقته الاستيعابية ) بينما الحقيقة ان المرور لا يدرك حتى الان ابعاد المشكلة وبات في سبات عميق حتى وقع فيها واوقعنا معه ومن المضحك المبكي انك ان رجل المرور لا يعرف خطوط المسارات الارضية وتراه واقفا في الاشارة وهناك من يقف عمدا في مخرج الاشارة الايمن ولا يحرك ساكنا كما أن التجاوز اصبح لدينا من اقصى اليمين فالحركة في شوارعنا غريبة الاطوار اذ تجد اكوام من السيارات في اقصى المسارات اليسرى كأنها سلاحف ولايوجد لدينا قانون يمنع السلاحف من المسير في اقصى اليسار فالمرور يصفق للسلاحف وهم لا يعلمون ما تسببه تلك السلاحف من حوادث بسبب الزحف في المسارات السريعة ولو اردت ان تقيم التدخل السريع للمرور فما عليك الا ان تحصي عدد الساعات حتى وصولهم عند وقوع حادث وخاصة في الطرق الرئيسية وان كنت جائعا فبإمكانك الاتصال باي مطعم لتوصيل طلبك وتناول وجبتك وقد يحل موعد الوجبة الثانية والمرور لازال يسخن استعداد للانطلاق اليك في هذه المهمة الصعبة ..
المرور وهو الادارة المعنية بحركة السير نسي ولربما تناسى التثقيف والتوعية والقوانين والانضباط وترسيخها في مدارسنا وجميع قطاعاتنا ولم نسمع لا بلا سبوع المرور ذلك الاسبوع في السنة كامله توزع فيه القليل من البروشورات والمستفيد منها صاحب المطبعة ..
لن يصل المرور الى حلا جذريا لمعالجة التزاحم والاقتتال في شوارعنا لأنه حتى الان يجهل الاسباب والمسببات فلو ادرك مسؤولي المرور حجم المشكلة لعملوا لتخطيط سليم وضبط للحركة وتلافي الاختناقات والفوضى ولأصبح كل منا يعي الانضباط ويمشي وفق الانظمة دون تجاوز او تجاهل او جهل ولقد استفاد قطاع المرور بانشغال الاعلام والمجتمع في كاميرات ساهر وجعلوا منها رجالات المرور انجازا باتو يصفقون له في كل ظهور اعلامي وكانت فرصة للتعتيم على مشكلة العراك المدمي في شوارعنا ..