اختتمت بمحافظة الطائف مساء أمس الجمعة، فعاليات “جادة سوق عكاظ” في دورته التاسعة، والذي أقيم برعاية سامية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله، وبتشريف صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الإشرافية العليا لسوق عكاظ، ودعم الهيئة العامة للسياحة والتراث الإنساني برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، ونجحت على مدى عشرة أيام متواصلة في إمتاع وإسعاد جمهور وزوار السوق، والترويج لحركة السياحة بالمنطقة، وتقديم نماذج تاريخية مؤثرة من خلال هذه الفعاليات وبصفة خاصة مسرحية “نقش من هوازن” التي حظيت بإقبال حاشد من زوار السوق, وكذلك بقية الفعاليات الثلاثة الأخرى وهي “مسيرة القوافل” و”معلقات الشعراء” و”السوق”, قدمت خلالها الأربع فعاليات 50عرضًا على مدى عشرة أيام.
لبيد العامري.. مرآة تاريخية
وأبدى كثير من زوار السوق إعجابهم ورضاهم عن الفعاليات التي انفردت بها “الجادة” للعام الثاني على التوالي، وفي مقدمتها عرض مسرح الشارع “نقش من هوازن” الذي كتبه المؤلف حسين عادل شاهين، وأخرجه ممدوح سالم، وإنتاج مؤسسة رواد ميديا، والذي يجسد سيرة الشاعر والصحابي لُبيد بن ربيعة العامري، من الجاهلية إلى الإسلام.. باعتباره من وقع اختيار أمانة مهرجان سوق عكاظ عليه ليكون شخصية العام وثيمة المهرجان في دورته التاسعة.
وجسد العرض فريق عمل بقيادة المخرج ممدوح سالم وضم نحو 200 ممثل، و50 من الفنيين ومهندسي الصوت والإضاءة، إضافة إلى ما يزيد عن 40 جملا، و20 حصان خضعت للتدريب والتأهيل, وذلك بالتعاون مع مدرسة الجهيد للفروسية، وتم توفير كل الإمكانات لإظهار العمل بأرقى مستوى، وبخلاف شخصيته المحورية حول لُبيد بن ربيعة العامري، والذي يعكس حقبة تاريخية حافلة، فقد تضمن العرض أيضًا العديد من الشخصيات منها شخصية “البراض” وهو لص لئيم سيء الخلق وقاطع طريق، أيضًا شخصية “الرحال” وهو أحد سادة هوازن، فارس ومقاتل شجاع وجريء.. أيضًا مجلس النابغة وضم النابغة الذبياني: شاعر وقور، طيب المعشر، و”عنترة” شاعر وفارس، و”طرفة” شاعر وفارس، و”الأصمعي” شاعر وفارس، و”الفرزدق” شاعر وفارس، إضافة إلى العديد من الأدوار الثانوية. وقامت مصممة الأزياء رضا غزاوي للعام الثاني على التوالي بتصميم أزياء العرض، ونجحت ببراعة في محاكاة أزياء العصر الجاهلي في الجزيرة العربية, بينما تميزت للمرة الثانية في سوق عكاظ والمرة الأولى في “الجادة” خبيرة الماكير دالين عبد الإله, وذلك في تركيب الشخصيات لما يخص اللحاء والذقون وكذلك تجاعيد الوجه الخاصة بالممثلين في 4 فعاليات يومياً, حيث استطاعت أن تحاكي “الكركترات” الخاصة بالممثلين ليظهروابشخصيات مقاربة للأعمال التاريخية والتي تجسد عصر ما قبل الإسلام وما بعده.
وأكد زوار السوق عامة والجادة بصفة خاصة أن “نقش من هوازن” نجح في محاكاة أجواء عصر ما قبل الإسلام وصدر الإسلام، ورصد الحياة العربية الأصيلة بكل تفاصيلها ومنافساتها الشعرية وملاحمها القتالية من خلال سيرة الشاعر لبيد العامري، كما جسد مظاهر الكرم عند العرب، إلى غير ذلك من الصفات والمعارف التي يجهلها شباب اليوم.
مسيرة القوافل
ومن الفعاليات المهمة أيضًا، والتي انفردت بها جادة السوق فعالية “مسيرة القوافل” والتي شارك في تنفيذها أكثر من 200 من الممثلين والكومبارس بأزيائهم التي تعود بهم إلى حقبة ما قبل الإسلام في الجزيرة العربية، وجسدوا توافد القبائل العربية في تلك الفترة إلى سوق عكاظ.. حيث تبدأ المسيرة من بداية الجادة إلى نهايتها والممثلون يلبسون الزي الخاص بالعمل ويحملون الدروع والسيوف والرماح، وتسير خلفهم الجمال والخيول، مع موسيقى أضفت إيحاء الماضي، بينما يقف على بعد خطوات منهم الجمهور وزوار الجادة يشاهدون كيف كانت حياة القبائل في الجزيرة العربية في تلك الحقبة التي تسبق ظهور الإسلام.. لتجسد الفعالية التقاء عصرين بينهما أكثر من 1500 عام.
وتابع زوار “الجادة” في أجواء بديعة مع نسمات صيف الطائف، شخصيات متجسدة أمام أعينهم تحاكيفرسان المعلقات لأشهر شعراء العرب امرؤ القيس، طرفة بن العبد، الحارث بن حلزة، زهير بن أبي سلمى، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد، لبيد بن ربيعة، الأعشى، عبيد بن الأبرص، النابغة الذبياني.
الحياة في “سوق عكاظ”
أيضًا، من الفعاليات التي حرص زوار السوق على متابعتها باهتمام، فعالية “السوق” والتي قدم من خلالها فريق العمل مشاهد تمثيلية للحياة قديمًا في سوق عكاظ، وتضمن العمل 6 مشاهد تمثيلية لتوافد قوافل التجارة على السوق من الشام واليمن والهند وغيرها وما تضمه من بضائع متنوعة، فضلا عن ما يشهده السوق من مبارزات حامية بين فرسان ذلك العصر، حيث رصد المشهد الأول قدوم قافلة من الشام تحمل الكثير من البضائع يتقدمها شيخ تجار الشام أبي الوليد، وحركة باعة التمور والتوابل، وباعة العطور والحرير، وكذا باعة السيوف والرماح والدروع وغيرها، وكل ينادي على بضاعته، بينما باعة الشام يقدمون القمحوالزيتون والأواني النحاسية، والسيوف الدمشقية وغيرها.
وتابع الحضور في المشهد الثاني ظهور رجل حكيم، كبير بالسن، يبدو مهيبًا بزيه العربي الأصيل، شامخًا وهو يعتلي صهوة جواده الأصيل، ويترجل عند مدخل السوق ويتذكر أمجادوذكريات سوق عكاظ، مرددًا في نفسه: “لا زلت تنتظر روادك القادمين من كلحدب وصوب يحملون إليك خيراتبلادهم”.. ويتفقد الحكيم مختلف بضائع السوق.
ورصد المشهد الثالث وصول قافلة جديدةأتت من اليمن، محملة بالجلود المدبوغة والملونة والمزركشة وبجانبهاعطور وبخور تنعش القلب، إضافة إلى سيوف يمانية مهيبة، والرجل الحكيم يواصل سيره بين دكاكين السوق.
وقدَّم المشهد الرابع ساحة نزال حامية بين مصارعين أحدهما تبدو عليه ملامح التكبروالعظمة و آخر يضع لثامًا على وجهه، ويصف الحكم الأول بأنه: “السموأل” صاحب السواعد القويةوالقبضة الحديدية، قوي كالهرماس، سريع كالغزال، ينقض على خصمه كالنسر، ينساب كالأفعوان ويلدغ كالعقرب. ويصف الملثم بأنه: يلاحق السموألبعيون كعيون الصقر ويراوغه مراوغة الذئب.. لينتهي النزال الحامي لصالح الملثم المجهول.
واختتم العرض بالرجل الحكيم بعد أن تبضع وحمل جواده من مختلف بضائع السوق، ومن ثم امتطى جواده وهو يحدث نفسهمودعًا أركان السوق قائلا: “القدوم إليك أيها السوق متعة ما بعدها متعة، وفراقك أسى يلفه شوق شديد للعودة”.
فقرة “المعلقات الشعرية”
كما حظيت فقرة “المعلقات الشعرية”، والتي تتزامن يوميًا مع غروب الشمس، باهتمام كبير من زوار السوق طوال فترة انعقاده، لاسيما لما شهدته من تنافس الممثلين في أداء شخصيات شعراء المعلقات، مرتدين أزياء تلك الحقبة التاريخية، وبأداء شعري وتمثيلي متقن، وبينما كل يلقي معلقته تعلو عبارات الثناء من الجمهور على الأداء وطريقة النطق في إلقاء الشعر، والتي راقت كثيرًا للجمهور على الرغم من صعوبة أبيات هذه المعلقات بمفردات هذا العصر.
إشادة الأمير خالد الفيصل
وخلال افتتاحه لفعاليات السوق، أبدى صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الإشرافية العليا، سعادته وإعجابه بالأداء الاحترافي فريق عمل فعاليات “جادة سوق عكاظ” وفي مقدمتها الملحمة التاريخية “نقش من هوازن” من ممثلين وفنيين وتصوير وإخراج، وتمنى لهم التوفيق في أعمالهم المقبلة. كما أثنى على اختيار مضمون العمل حول شخصية تاريخية لها قيمتها الرفيعة سواء على مستوى التاريخ العربي أو الإسلامي.
50 عرض × 10 أيام
على مدى عشرة أيام فترة انعقاد فعاليات”سوق عكاظ” من الأربعاء 27 شوال الماضي وحتى أمس الجمعة 6 من ذي القعدة الجاري، قدم فريق العمل 4 فعاليات يومية بواقع عرضاً واحداً يومياً لـ”مسيرة القوافل” وآخر لفعالية “المعلقات الشعرية” وعرضاً ثالثاً لـ”السوق”, بالإضافة إلى العرض الرابع الذي كان للملحمة التاريخية “نقش من هوازن” بواقع مرتين يومياً ليصبح المجموع الكلي للأربع فعاليات 50 عرضًا في 10 أيام، وذلك بمشاركة نحو 200 ممثل، و50 من الفنيين ومهندسي الصوت والإضاءة، واتصفت العروض الأربعة بالجودة العالية وبتقنيات مبهرة لزوار السوق وبالأداء الاحترافي للممثلين، والذين نجحوا بقيادة المخرج ممدوح سالم في إظهار أدق تفاصيل الحياة في العصر الجاهلي في الجزيرة العربية وفترة ما بعد ظهور الإسلام، متضمنًا العديد من المواقف الحياتية في الجزيرة العربية والأخلاق التي تتميز بها من شجاعة وفروسية وكرم كان أبرزها شخصية لبيد العامري.
البطل الحقيقي
إلى ذلك، عبَّر ممدوح سالم منتج ومخرج فعاليات “جادة سوق عكاظ” عن بالغ شكره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله لرعايته فعاليات السوق والجادة، كما عبَّر عن شكره لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الإشرافية العليا، على تفضله بافتتاح السوق وإشادته بفعاليات الجادة، معتبرًا ذلك بمثابة وسام شرف على صدره وزملائه فريق العمل.
كما توجه سالم بأسمى آيات الشكر إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الإنساني على الدعم الكبير الذي قدمته الهيئة لفعاليات “الجادة” على كل المستويات، مشيرًا إلى أن النجاح الذي حققته هذه الفعاليات إنما هو انعكاس للدور الكبير الذي بذلته الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في تذليل كل الصعوبات التي اعترضت طريق فعاليات الجادة في عامها الثاني.
واعتبر سالم زوار الجادة والسوق هم البطل الحقيقي وراء نجاح هذه الفعاليات، مشيرًا إلى أن اهتمام الجمهور بمتابعة هذه الفعاليات والتجاوب معها يعكس مدى تعطش المواطن السعودي إلى هذه النوعية من الأعمال التي تحقق الإمتاع بمضمون راق، وفي الوقت ذاته تنمي وعيه ومعارفه تاريخيًا وثقافيًا وفنيًا.
وختم المخرج ممدوح سالم قائلا: بفضل الله نجحنا للعام الثاني على التوالي في تقديم فعاليات متنوعة من خلال “الجادة”، استحوذت على ثقة وإعجاب زوار “سوق عكاظ”، وهو الأمر الذي يحمِّلنا مسؤولية أكبر في المرات المقبلة بمشيئة الله.