أكد سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، أن “الشباب هم الرصيد الاستراتيجي، وهم الثروة الحقيقية، وهذا ما أراه كل يوم في شباب بلدي الأردن، وفي شباب جيلي حول العالم“.
وقال سموه، في خطاب ألقاه اليوم الجمعة في الجلسة الافتتاحية للمنتدي العالمي للشباب والسلام والأمن، الذي يعقد في مدارس كنغز أكاديمي في محافظة مادبا، ويشهد حضوراً شبابيا ودبلوماسيا دولياً كبيرا يتخطى 500 مشارك ممثلين لكل الأطراف المعنية، “واليوم أعلن لكم أن بلدي، الأردن، سيسعى للعمل من خلال عضويته في مجلس الأمن على إقرار أجندةٍ حول الشباب والأمن والسلام، من قبل المجلس، لكي نضمن دور الشباب في الأمن وصناعة السلام المستدام، وبالشراكة مع الشباب والشابات وليس بإشراكهم. فهكذا نشأنا هنا في الأردن بمشاركة كل من فيه؛ نساء ورجالا. بنينا حصنا منيعا بسواعد الشباب وبصيرة الآباء“.
وفيما يلي النص الكامل لخطاب سمو ولي العهد: بسم الله الرحمن الرحيم أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة، السيدات والسادة، يقال إن البيت يعمر بزواره من الأصدقاء. إن هذه المقولة تجد صداها الحقيقي في بيتي الكبير: الأردن.
واليوم، اسمحوا لي أن أرحب بكم جميعاً في بلدي الحبيب. واعلموا أن حضوركم يسعدنا، لأن ثوابت وطني الراسخة والمبنية على السلام والاحترام المتبادل تنمو وتتعزز مع كل صداقة جديدة.
إننا نفخر بأن بيتنا، الأردن، لم يسبق له أن رفض جاراً طلب الملجأ والإغاثة؛ إنه بيتٌ لكل من ينشد السلام والتقدم؛ لأن السلام ليس مجرد سياسة، وليس قيمة عليا فقط، إنه سمةٌ إنسانيةٌ وهو الدعامة الأساسية للبيت الذي يجمعنا كأسرة عالمية واحدة.
فأهلاً وسهلاً بكم في الأردن، وبهذه المناسبة أشكر بشكل خاص شركاءنا: منظمة الأمم المتحدة بقيادتها ذات الرؤية الحكيمة، والشبكة المتحدة لبناة السلام الشباب، ومنظمة البحث عن أرضية مشتركة.
إخواني وأخواتي، “الشباب هم المستقبل”. ربما تكون هذه العبارة إحدى أكثر العبارات ترديدا عن كيفية التأثير بالمستقبل من خلال تشكيل أجياله؛ وجزءا من خطاب الرؤساء والساسة والأحزاب.
من يمتلك المفاتيح لعقول الشباب، تفتح له أبواب المستقبل. هذه الاستراتيجية اتبعها ويتبعها كل من يريد أن يرسم ملامح الأجيال، فالشباب إن اقتنعوا برسالة سيكرسون حياتهم فداءً لها.
وللأسف، إذا نظرنا إلى تاريخنا الحديث نجد الطغاة والمحتلين والإرهابيين بجميع أشكالهم، ومنهم القاعدة وداعش، كلهم استغلوا الشباب وطاقاتهم.
أما حان الوقت لنسخر تلك المعادلة في صناعة السلام؟ لبناء أجيال قوية لا تتأثر بشعارات ذوي الأجندات أيا كانت! لم تكن تلك المعادلة أكثر دقة من اليوم. فلم يكن العالم شابا ويافعا أكثر مما هو اليوم؛ وبالتالي، لم تكن هناك فرصةٌ أكبر للتأثير في المستقبل يوما، خاصة في العالم العربي، حيث نسبة الشباب دون الخامسة والعشرين تبلغ نحو سبعين بالمائة من مجمل السكان.
الشباب هم الرصيد الاستراتيجي، وهم الثروة الحقيقية، وهذا ما أراه كل يوم في شباب بلدي الأردن، وفي شباب جيلي حول العالم.
الشباب هم صفوف الجيوش الجاهزين لفداء أرواحهم وأيامهم من أجل مستقبل بلدهم.
هم جنود حفظ السلام الذين يعينون إخوانهم في الإنسانية في المناطق المنكوبة.
هم الأطباء الذين تطوعوا لإغاثة إخوانهم العرب في وقت النكبات في غزة.
هم المعلمون الذين يذهبون إلى مخيمات اللاجئين حتى لا يحرم الأطفال من أبجديات المعرفة.
هم ملايين الشباب ممن يشكلون شبكات عطاء بلا مقابل.
هذه أمثلةٌ مما أراه وألمسه وعلى سبيل المثال لا الحصر، هذا هو جيلي؛ هؤلاء هم صناع السلام.
أؤكد لكم بأن جيلي من الشباب لا تنقصهم الهمة، بل على العكس، هم الأكثر وعياً بظروف أوطانهم، هم الأكثر مجاراة لتطورات عصرهم، هم أكثر جيل استطاع أن يتواصل مع العالم ويسمعه صوته، لأنه أتقن لغة هذا العصر، فالفضاء الإلكتروني ينقل صوته من الشرق إلى الغرب دون قيود أو حدود.
هذا هو جيلي، وشبابه أكفاء لكي يكونوا شركاء في وضع استراتيجية مستقبلية تلائمهم.
لهذا نحن هنا اليوم، لأن هناك فرصة أمامنا لإحداث تغيير جذري في المستقبل. فرصة علينا الإسراع باغتنامها، لأن الشباب فئةٌ مستهدفةٌ من قبل الكثيرين. ونحن في سباق لكسب عقول الشباب. في سباق مع أجندات تصطاد الطاقات وتجيشها لخدمة أغراضها. وفي سباق مع الزمن لأن مستقبلنا لا يتحمل هدر إمكانيات جيل اليوم.
نحن هنا للبناء على نتائج جلسة النقاش المفتوحة لمجلس الأمن “دور الشباب في مكافحة التطرف العنيف وتعزيز السلام”، والتي نظمتها المملكة الأردنية الهاشمية خلال ترؤسها لمجلس الأمن في شهر نيسان الماضي.
ونحن هنا للخروج بصيغة توافقية لبيان حول الشباب ودورهم في بناء السلام ومكافحة التطرف.
فقد يكون هذا المؤتمر الأول من نوعه من حيث زخم حضوره وجمعه كل الأطراف المعنية؛ من ممثلين عن الأمم المتحدة وممثلين عن الحكومات والمنظمات الأهلية والدولية، وصولاً إلى الطرف الأكثر أهمية والمعني بالأمر: الشباب أنفسهم ومنظماتهم.
لكنني آمل أن يكون الأول من نوعه بما يضيف من مخرجات واقعية قابلة للتنفيذ؛ بشراكة الشباب؛ وليس بتمثيلهم تمثيلا خجولا. هو الأول من نوعه لأن الشباب أنفسهم سيقومون بصياغة التوصيات بدعم ذوي الخبرة الموجودين معنا. فما نحتاج إليه نحن الشباب هو مساحةٌ للعمل، لا قوالب جاهزة لنتقيد بها، أو لتقيدنا.
سيساهم هذا المؤتمر في خلق شبكات متشعبة لتمكين الشباب، وإعطائهم الفرص للتعبير عن طموحهم وانتمائهم لإنسانيتهم.
أعزائي الحضور، واليوم أعلن لكم أن بلدي، الأردن، سيسعى للعمل من خلال عضويته في مجلس الأمن على إقرار أجندةٍ حول الشباب والأمن والسلام من قبل المجلس لكي نضمن دور الشباب في الأمن وصناعة السلام المستدام، وبالشراكة مع الشباب والشابات وليس بإشراكهم. فهكذا نشأنا هنا في الأردن بمشاركة كل من فيه؛ نساء ورجالا. بنينا حصنا منيعا بسواعد الشباب وبصيرة الآباء.
قرأت مقولة لفتت انتباهي: الشاب يصبح رجلا بعد أول مرة يموت فيها حلمه.
شيءٌ ما دفعني إلى عدم الاكتفاء بإنهاء المقولة كما هي، بل لدعوة هذا الحشد الكريم إلى تحمل مسؤولية إكمالها.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية جعلت شبابنا، رجالا ونساء، قادرين على تحمل المسؤولية، وواجبنا أن نوفر لهم البيئة التي تولد أحلاما قابلة للحياة، وقابلة للتحقيق، قادرة على تغيير مسار حياتهم. فلا حلم دون أمل. والأمل حق أساسي من حقوق كل شاب. ونحن هنا لنؤكد على هذا الحق، ولندفعهم كي يحلموا حلما أكبر وأبعد كل مرة، ليس ليكونوا أكبر جيل شاب عرفه التاريخ فقط، بل صناع أكبر قفزة نوعية يشهدها العالم باتجاه السلم والعيش المشترك.