إذا كنت تشك بأن أحدهم مضطرب عقلياً، أو به مس يشغل البال، فأمامك طريقة مضمونة النتائج لتتأكد، وهي أن تتثاءب حين يكون قربك ويراك، فإن انتقلت إليه عدوى التثاؤب وفعلها، عندها يمكنك أن تطمئن لتبدأ صداقتك معه، أو مشاركته بعمل أو مشروع ما، أو الأهم، وهو الزواج أو المصاهرة، لأن دراسة علمية صدرت حديثاً تؤكد أنه كلما قل انتقال عدوى التثاؤب إلى شخص ما، كلما زادت المؤشرات على أنه مضطرب وعصياني، والأنانية فيه أقصاها، إلى درجة أنه يقتل المئات لينال ما خطط له وينويه.
علماء جامعة “بايلور” التي تأسست منذ 170 سنة في مدينة “واكو” وأصبحت بين الأرقى بولاية تكساس الأميركية، نشروا بحثاً علمياً في دورية Personality and Individual Differences المعروفة كأكاديمية مختصة بمراجعة الأقران وتقييم الفوارق والاختلافات وتصدر 16 مرة بالعام، وفيه استندوا إلى تجارب أجروها على 135 طالباً، وطالعت “العربية.نت” ملخصها في صحيفة “التايمز” البريطانية بعدد أمس السبت، كما وفي الدورية نفسها، على ما في البحث من مزج معقد بين العلم والفلسفة معاً.
بحثوا في من اختاروهم من الطلاب عمن لديه صفات تقترب مما لدى “الشخصية المكيافيلية”، وهو تصنيف لمن يشابه بطبيعته آراء الفيلسوف الإيطالي الراحل نيكولو مكيافيلي، مؤلف كتاب “الأمير” المثير للجدل، وصاحب العبارة الشهيرة “الغاية تبرر الواسطة”، وهي شخصية لا تتمحور إلا على نفسها التي تراها مركزاً لكل ما حولها، في أنانية جموحة لا تعير اعتباراً لأي كان، وهذه واحدة من أهم صفات الإضرابات العقلية والانعزالات المتنوعة عن الآخرين، لأنها عصيانية لا تتكيف إلا بشق الأنفس، وباردة بنفورها كأن صاحبها بلا قلب ينبض فيه، ومتكابرة بلا سبب واضح، أي هكذا كيفما كان.
ومن وجدوه أقل تثاؤباً اتضح أنه معتل
وعن التثاؤب المكروه اجتماعياً، لإشارته إلى الضجر والخمول والترهل الذهني والجسدي، فإنه لا إرادي ويهدف إلى ملء الرئتين بالهواء كلياً، ويستمر 6 ثوانٍ كمعدل، وأثناءها تتقلص عضلات الوجه والرقبة ويغلق المتثائب عينيه ويتوقف وعيه بما حوله، وهو دليل على النعاس أو التعب أو الضجر أو القلق أو الجوع، كما وعلى الحاجة إلى الاسترخاء، ويحدث عند الاستيقاظ كرغبة بمتابعة النوم أو تناول إفطار الصباح. كما يحدث في معظم الحالات كعدوى انتقلت من متثائب، وهذا السبب الأخير دليل على الطواعية والتآلف والتكيف السريع.
وعرض فريق الباحثين بقيادة الدكتور بريان راندل، شرائط فيديو متنوعة المحتويات على الطلاب الذين أخضعوهم للتجارب، شاهدوا في بعضها تعابير على الوجه مختلفة يقوم بها بعض الأشخاص، ومنها التثاؤب الذي وصفه الدكتور راندل بأنه مرتبط إلى حد كبير “بالتعاطف مع الآخر وقبوله”، والطالب الذي وجدوه أقل تثاؤباً مع المتثائبين، اتضح فعلاً أنه من نوع انعزالي ومضطرب ورافضي القبول للآخر.
تابع وقال إن تجارب أخرى دلت بأن “الذكر القيادي” أو ما يسمونه alpha male لدى الثدييات، والساعي إلى أن يقلده الآخرون، في جماعات قردة “الرباح” المعروفة بالبابون، ممن قرأت “العربية.نت” أن تواجدهم هو بكثرة في السعودية واليمن، وكذلك في الكلاب والشمبانزي “يميل إلى التثاؤب قبل سواه” فقط في رغبة منه بأن يقلده المتواجدون معه، ممن لا يرغب أن يسبقه أحد منهم إلى التثاؤب قبله ويضطره إلى تقليده، وهذه هي الشخصية العصيانية الرافضة التكيف والانصهار، والمعتلة بمس عقلي.