لم تلبث أسرة فنان الكوميديا سعيد صالح من “الفراغ” من الاحتفال بعيد ميلاده،أمس، حتى غابت سعادتهم بتلك المناسبة بإعلان وفاته، اليوم، بعد صراع طويل مع المرض عن عمر ناهز 76 عامًا قضاها يرسم البسمة على شفاه محبيه.
ملامحه مصرية، صاحب عيون ضيقة وشعر أسود حريري لامع، مع جبين عريض.. إنه سعيد صالح صانع الإفيه، الذي غيبه الموت بعد رحلة صراع مع المرض، قطعت موجات التصفيق الحاد الذي لم ينقطع منذ ان عرفته الشاشة او على خشبة المسرح.
عرفناه من خلال أدواره المتميزة في “مدرسة المشاغبين” التي كان خلاله يدخل على خشبة المسرح متباهيًا بنسبه، “مرسي ابن المعلم الزناتي”، لا صوت يعلو فوق الضحكة التي تندفع تلقائية معبرة عن الإعجاب بأدائه، فهو من حاول أن يساعد في تحقيق حلم أخته “في العيال كبرت” لتكون “رقاصة”في كوميديا عائلية امتزجت فيها البسمة بدرس أهداه فريق عمل المسرحية و على رأسهم سعيد صالح للجمهور ليؤكدوا على الرباط الأسري.
حفرت جمله وإفيهاته في أشهر المسرحيات التي قدمها بوجدان المشاهد حيث كان خير مشاغب حين قال “كنت في بيروت بذاكر مع واحد صاحبي، و “اعمل إيه اسقط”، و “وديني لاقطع عنهم المصروف”.
شارك سعيد صالح رفيق دربه، الفنان عادل إمام في باكورة أعمالهما الفنية، فكان خير صديق في، فيلم “سلام يا صاحبي”، وكما قال عنه عادل إمام في مسرحية “مدرسة المشاغبين”، “أنا المخ وأنت العضلات، يعني لو نختلف أنا وأنت أبقى أنا ضعيف وأنت حمار”.
لاقت تلك المسرحية نجاحًا باهرًا، حتى أنها ظلت على خشبة المسرح قرابة الـ6 سنوات، وأعقبها مسرحية “العيال كبرت”، التي حققت نجاحًا مشابهًا للمسرحية الأولى رغم غياب إمام عنها ولكن الصديقين سطرا علامات نجاحهما سويًا من خلال عدد من الأعمال الفنية التي لاقت نجاحًا منقطع النظير، لكن الحياة لا تسير على نفس المنوال دومًا، ليفترق الصديقين ويكمل كل منهما طريقه وحده حتى إلتقيا لآخر مرة في فيلم “زهايمر” عام 2010.
لم يكن سعيد مشاغبًا في أدواره المسرحية والسينمائية فقط، بل استطاع أن يكون كذلك عندما ارتجل على خشبة المسرح، فاعتقل عدة مرات على خلفية لخروجه عن النص ليخدم السياق الدرامي للمسرحية.
“أمي اتجوزت 3 مرات.. الأول وَكِلنا المش، والتاني علمنا الغش، والتالت لا بيهش ولا بينش” كانت تلك الجملة سببًا لاعتقاله، إذ عدتها السلطات المصرية إشارة إلى رؤساء الجمهورية الذين تناوبوا على مصر ليتم حبسه 6 أشهر عام 1983.
ولد سعيد صالح لأسرة بسيطة بمحافظة المنوفية، في 31 يوليو 1939، كان والده يعمل بشركة الغاز، تعلم وتخرج من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1960، كان عاشقًا للمسرح منذ صغره، وانضم للمسرح المدرسي، وظل يختبئ في طرقاته من عشقه له.
قدمه حسن يوسف للمسرح للمرة الأولى في مسرحية “هاللو شلبي”، بعد عدد من الأدوار الصغيرة التي قدمها على مسارح التليفزيون.
“السينما المصرية صنعت 1500 فيلم، لي فيهم الثلث”، كان يرى نفسه في كل فيلم سينمائي، وشارك بالفعل في العديد من الأفلام والمسرحيات، فقدم ما يزيد عن 250 فيلم و100 مسرحية.
من أشهر أعماله السينمائية: “الهلفوت”، “المشبوه”، “يا عزيزي كلنا لصوص”، وعلى خشبة المسرح: “العيال كبرت”، “هاللو شلبي”، “مدرسة المشاغبين”.
كان سعيد صالح بمثابة القطار الكوميدي، الذي لا يتوقف، اقتحم قلب المصريين بسرعة وسلاسة وحب، وإن كانت مسيرته الفنية تعطلت بسبب المخدرات التي تعاطاها يوما، فبعد أن كان صاروخ يفجر الضحك، أفل نجمه رويدًا رويدًا وانحسرت أدواره في قالب بسيط، كممثل مساعد،ولكنها لم تنحسر داخل قلب جمهوره.
نال عدد من الجوائز، منها جوائز تكريمه في مهرجان “المسرح الضاحك” عام 1996، ومهرجان المركز الكاثوليكي 2007، ومهرجان الرواد المسرحي عام 2009.
كان عام 2005 هو بداية رحلته الشاقة مع المرض، فتعرض قلبه لضيق ثلاثة شرايين به، وما تسبب له في آلام حادة بالصدر، وتم إجراء عملية قلب مفتوح له، كما أنه مريض سكر، وعانى من جلطة دموية بالمخ، وفي مايو الماضي تم نقله للمستشفى بسبب تعرضه لوعكه صحية حادة، حيث حدث له هبوط مفاجئ وقيء دم، لكنه أصر على الخروج من المستشفى لعدم تقبله المكوث بها، فتعرض لأزمة أخرى، ونقل لمستشفى المعادي العسكري، ودخل في غيبوبة لمدة يوم، عندما أفاق تدهورت حالته مرة أخرى، ليتوفى صباح اليوم، بعد معاناة لعدة سنوات مع المرض والحياة.