الناظر لحال أمتنا العربية والإسلامية في هذه الأيام المباركة التي نرتجي فيها من الله الخير والصلاح والمغفرة والعتق من النيران، لا بد وأن تمتزج مشاعره بنيران القهر والحزن والأسى على ما وصلت إليه أحوال الأمة، وما لحق من إساءات كبيرة سواء بديننا الإسلامي الحنيف الذي بعث الله به خاتم الأنبياء رحمة للعالمين، أو بعاداتنا العربية الأصيلة التي طالما كانت الشهامة والكرم والجود والعفة في رأس قوائمها.
لنكتشف اليوم أن قضيتنا الأولى والوحيدة قضية أرض فلسطين المحتلة وقبلة المسلمين الأولى فيها، أصبحت بجهود أعداء الأمة من الخارج والداخل عشرات القضايا التي يقف الصغير والكبير أمامها حيراناً.
ولا يمكن أن ينكر أحد بأن هناك من هذه القضايا ما قام البعض بتأييدها والوقوف بجانبها قبل سنوات ليكتشف اليوم أنه لم يكن على صواب، وغيرها ما أصبح من كان يؤيدها بالأمس بكل قوة يلتزم اليوم الصمت المطبق لشدة حيرته وتعجبه مما يرى ويسمع.
ولأن قلمنا أخذ على عاتقه منذ أول كلمة خطها قبل سنوات نصرة المظلوم أينما كان وأياً كان ومهما كانت الظروف، جاءت هذه السطور التي ستبقى مهما زادت الحيرة في العقول وملأ الألم القلوب، لتنصرهم ولو بكلمة واحدة لعلها تسهم ولو بالقليل في تخفيف مصابهم.
هؤلاء المظلومين الذين تسمع عنهم كيف تقتحم عليهم بيوتهم ويعتدى على أعراضهم وأموالهم وتنتهك حرماتهم، هؤلاء الذين يصرخون كل يوم ولا يسمع أحد صرخاتهم “إلا من رحم الله” لا في وسط الليل ولا وضح النهار، ممن يزدادون كل يوم في بلادنا العربية والإسلامية من أقصى جنوب شرق آسيا ومأساة الروهينجا في أراكان بورما، إلى معاناة أشقائنا في العراق، وصولاً إلى سوريا ففلسطين إلى مصر واليمن وليبيا، هؤلاء الذين يقضون مضاجعنا ونحن نتألم لحالهم ومعاناتهم التي لم يسمع بها ولا يهتم لسماعها الذين يطربون لصوت المطربين والمطربات والمسلسلات المتنوعة في شهر رمضان المبارك، لتأتي هذه السطور لعلها تذكرنا بهم وبحالهم حتى لا ننساهم في الشهر الفضيل وغيره من الأيام والليالي.
فكم منا تذكرهم بكسرة خبز أو دعوة في ظهر الغيب في هذه الأيام المباركات، لعلها تصادف ساعة إجابة ويرفع الله بسببها الظلم عنهم ويسخر لهم من يمسح لهم دموعهم ويخفف عنهم آلالامهم.
ولعلها ماتزال الفرصة سانحة أمام كل من أحب أن يجسد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، بل وإهتمامه صلى الله عليه وسلم بالانسانية جمعاء، فنرى زيارته جاره اليهودي وهو على فراش المرض عندما افتقد القمامة التي كان يضعها كل يوم عند باب منزله ويؤذيه بها !
فلنبادر في هذه الأيام الفضيلة التي نخرج بها زكاة الفطر إلى المبادرة بتزكية أنفسنا قبل أموالنا بمشاركة إخواننا من المظومين والمكلومين، ولو بكسرات من خبزنا لعلنا نكون سبباً في عونهم والتخفيف عنهم والوقوف إلى جانبهم.
ولعل جمعية “بنيان” التي اطلعنا على تجربتها الفريدة قبل أيام في الوقوف بجانب اشقائنا من المتضررين بسبب الأحداث الجارية في بلاد الشام تمثل مثالاً حياً لقول النبي صلى الله عليه وسلم مما رواه البخاري (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه)، فجاءت إسماً على مسمى، فرأينا فيها مبادرة المطبخ الميداني داخل المنازل حفاظاً على العاملين من القصف، ومركز الاستشفاء الذي يقدم المساعدة الطبية ضمن الامكانيات المتاحة، ومشروع رحمة الذي يعمل على توفير العلاج لمرضى السرطان، وكذلك مشروع مدرسة بنيان التي تركز على النشأ والحفاظ عليهم والحرص على تعليمهم، ومشروع دعم الامراض المزمنة، وغيرها من المشاريع المتميزة الكثيرة التي يحاول من خلالها القائمون عليها من أبناء الشعب السوري تخفيف آلالام شعبهم والوقوف بجانبهم، ولعلها الفرصة السانحة لكل محب للخير في هذه الأيام التي يتضاعف فيها الأجر والثواب للوقوف بجانب أشقائنا وأحبابنا من المظلومين من أهل الشام في سوريا وفلسطين وغيرهم في العراق ومصر وليبيا واليمن وبورما وفي كل مكان في هذا العالم حتى لا ننساهم، ونذكر أنفسنا بهم دائماً وبأن هناك دموعاً لطالما إشتاقت ليد حانية تمتد لتمسحها.
[COLOR=#ff0018]بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران[/COLOR]